سيرياستيبس : سمحت وزارة الخزانة الأميركية
إمكانية تصدير البضائع والبرمجيات والتكنولوجيا ذات المنشأ الأميركي،
والمستخدمة في أغراض مدنية بحتة إلى سوريا، بما في ذلك أجهزة الاتصالات
الاستهلاكية ومواد تتعلق بالطيران المدني.
رأى
متخصصون سوريون أن إعلان مكتب الصناعة والأمن التابع لوزارة التجارة
الأميركية عن قاعدة جديدة لتخفيف متطلبات ترخيص الصادرات المدنية إلى
سوريا، والذي يأتي في إطار "إلغاء العقوبات المفروضة على سوريا خلال الـ30
من يونيو (حزيران) 2025، يأتي كخطوة بشواهد متعددة وبعيدة الأهداف وذات
دلالات سياسية واقتصادية، إلا أنها تحمل رسالة بأن الاستثمارات الأميركية
قد تكون حاضرة بقوة داخل سوريا، وقد نرى شركات نفط وطاقة أميركية وربما
شركات أميركية مهتمة بصناعة التكنولوجيا والرقائق.
وأشاروا إلى أن أكثر من وفد من رجال
الأعمال وشركات أميركية زاروا سوريا وبحثوا في فرص الاستثمار، بل ووُقعت
فعلاً مذكرة تفاهم للاستثمار في مجال الطاقة بقيمة 7 مليارات دولار مع
ائتلاف ضم شركتين قطرية وأميركية وأخريين تركيتين، ويذكر أيضاً هنا اهتمام
رجال أعمال وشركات أميركية بالاستثمار في قطاع الصناعة. وشُكل تحالف يضم
1000 رجل أعمال سوري أميركي وأميركي سوري للاستثمار في سوريا.
وعلى رغم أن حجم التجارة بين البلدين ضعيف
للغاية بسبب العقوبات، وأيضاً ميل التجار السوريين للتعامل مع أسواق أخرى
مثل الدول العربية وشرق آسيا وأوروبا وأميركا الجنوبية، فإن متخصصين
يتوقعون حدوث نهضة في التبادل التجاري، خصوصاً إذا ما كان هناك توجه أميركي
نحو الاستثمار في سوريا من قبل الشركات ورجال الأعمال الأميركيين، وهو ما
يبدو متوقعاً فعلاً.
وتتيح القاعدة التي صدرت خلال الـ17 من
أغسطس (آب) الجاري عن وزارة الخزانة الأميركية إمكانية تصدير البضائع
والبرمجيات والتكنولوجيا ذات المنشأ الأميركي، والمستخدمة في أغراض مدنية
بحتة، إضافة إلى أجهزة الاتصالات الاستهلاكية ومواد تتعلق بالطيران المدني
إلى سوريا من دون الحاجة إلى ترخيص، وتسهل القاعدة تراخيص الصادرات إلى
سوريا المتعلقة بالبنية التحتية للاتصالات والصرف الصحي وتوليد الطاقة
والطيران المدني. أما باقي الطلبات المتعلقة بصادرات المواد ذات الاستخدام
المزدوج إلى سوريا، فستراجع حالة بحالة.
تعزيز فرص الوصول إلى التكنولوجيا الأميركية
عبر حاكم مصرف سوريا عبدالقادر حصرية ضمن
منشور له أمس الجمعة عن تقديره للقرار الصادر عن وزارة التجارة الأميركية،
برفع القيود عن الصادرات وإعادة تصدير المنتجات والخدمات والتقنيات
الأميركية (باستثناء العسكرية منها)، إلى جانب تسهيل وتسريع إجراءات منح
التراخيص ذات الصلة.
وقال إن "تعزيز فرص الوصول إلى التكنولوجيا الأميركية يعد خطوة محورية لدعم القطاع المالي والمصرفي في سوريا،
ولا سيما في مجال تطوير أنظمة الدفع الحديثة، التي تمثل ركيزة أساس لتوسيع
نطاق الخدمات المالية وتسهيل المعاملات التجارية والمالية"، مؤكداً أن من
شأن هذه التطورات أن تسهم بصورة مباشرة في دعم جهود الإصلاح النقدي
والمصرفي، وتعزيز الاستقرار النقدي ورفع مستوى الشفافية خلال التعاملات
المالية.
وأشار إلى أن كلاً من مصرف سوريا المركزي
ووزارة المالية بالتنسيق مع وزارة الخارجية يتابعان تواصلهما البناء مع
وزارة الخزانة الأميركية، إذ نلمس حرصاً واضحاً على دعم الإصلاحات الجارية
ضمن القطاعين المالي والمصرفي، وفي السياسة المالية العامة.
وأضاف "نتطلع إلى أن تشكل هذه الخطوات
أرضية جديدة لتعزيز اندماج القطاع المالي السوري في النظام المالي العالمي،
وفتح قنوات آمنة وفعالة للتبادل والتمويل، وتطوير قواعد الدفع والتسوية
الإلكترونية وفق المعايير الدولية، بما يخدم أهداف السياسة النقدية ويحافظ
على استقرار القطاع المالي وكفاءته".
عودة الشركات العالمية إلى سوريا
المستشار في قطاع النفط والطاقة زياد عربش
أوضح في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن القرار هو إعادة إصدار رخصة السماح
الآن للصادرات الأميركية إلى سوريا من وزارة التجارة الأميركية، مكتب
الصناعة والأمن، إذ كما نعلم صدر عام 2004 قرار رئاسي بحظر الصادرات إلى
سوريا التي تضم كل السلع والبرمجيات والتكنولوجيا وغيرها (عدا الغذاء
والدواء).
ليصدر الرئيس ترمب تعليماته لوزارة
التجارة الأميركية بدراسة إلغاء هذا الحظر، وبعد تأخير عن الوقت المحدد
لأسباب تقنية، إذ أُصدر قرار إلغاء حظر الاستيراد والذي سيبدأ العمل به
خلال الثاني من سبتمبر (أيلول) المقبل، مشيراً إلى أن هذه الرخصة تخص
بصورة أساس المواد التي تستخدم في البنية التحتية للاتصالات والصرف الصحي
وتوليد الطاقة والطيران المدني. وستراجع جميع الطلبات الأخرى لتصدير المواد
ذات الاستخدام المزدوج، المدني والعسكري، كل حالة على حده، بالتالي أصبح
من الممكن قانونياً بموجبه استيراد وتصدير كل السلع والبضائع والخدمات (غير
العسكرية) من وإلى سوريا.
وأشار إلى أن أهمية ذلك ليس من ناحية
الاستثمارات الأميركية المباشرة فحسب، ولكن على أصعدة أخرى منها شركات
النفط والتكنولوجيا الدولية الأميركية والعالمية، إذ أصبح بإمكانها الآن
إدخال المعدات والتجهيزات المتقدمة بغض النظر عن نسبة المكون الأميركي،
فمثلاً لم تستطع سوريا بعد عام 2004 شراء أية طائرة من أية دولة، طالما كان
فيها مكون أميركي فوق الـ10 في المئة، بالتالي سنشهد ولو تدريجاً عودة
الشركات العالمية في قطاعات مهمة وذات ربحية كالطاقة والتكنولوجيا وبناء
المرافق المهمة.
عين مفتوحة على السيليكون السوري
وقال متابعون إنه يمكن قراءة الخطوات
الأميركية من جوانب عدة، وطالما أنها وصلت إلى مرحلة تسهيل تصدير
التكنولوجيا فهذا يعطي مؤشرات مهمة، في إشارة إلى امتلاك سوريا احتياطاً
كبيراً من الغاز والنفط
في مياهها الإقليمية وعدد من المناطق البرية، أو إذا ما استعادت الحكومة
السورية سيطرتها على آبار النفط الخاضعة حالياً لـ"قسد"، إذ يمكن أن يكون
هناك ظهور أميركي مختلف لجهة استثمارها، كذلك سوريا تمتلك ثروة قيمة من
السيليكون المستخدم في صناعة أجهزة الكمبيوتر، يتميز بنقاوة تتفوق على
مثيله المستخرج من صحراء نيفادا.
ويُذكر أن تقارير إعلامية كشفت قبل أعوام
أن سوريا تمتلك كميات من السيليكون، كفيلة بـ"تحقيق قفزة نوعية في صناعة
الحواسيب الذكية على مستوى العالم بمستوى نقاء يصل إلى 79 في المئة.
وهنا يمكن الوقوف ملياً، بحسب خبير
الاتصالات محمد صالح، الذي قال إنه "من الطبيعي أن تلهم كميات السيليكون
النقي الموجود في سوريا شركات الاتصالات والتكنولوجيا حول العالم، خصوصاً
أن المنافسة في صناعة الرقائق محتدمة، ليس بين الشركات فحسب بل بين الدول
أيضاً"، مؤكداً أن "ثروة سوريا من السيليكون هي في بال الشركات الأميركية"
ولم يستبعد إقامة مصانع في سوريا.
وتوقع صالح أن يتزايد اعتماد سوريا على
التكنولوجيا والمنتجات الأميركية في خططها التنموية، ومع السماح بالتصدير
فإن العقبة اليوم تبدو في الرسوم الجمركية العالية المفروضة، إذ تفرض
الولايات المتحدة 41 في المئة على المنتجات السورية في حين تفرض دمشق 81 في
المئة على المنتجات الأميركية، وفي حال وُسع التبادل التجاري فإن الرسوم
الجمركية ستظهر كعقبة في وجه التجارة بين البلدين.
ولفت صالح لفت أيضاً إلى أن القرار
الأميركي بسماح التصدير إلى سوريا يحمل رسالة بأن واشنطن تدعم التعافي
الاقتصادي في سوريا، وقد يسهم في إحداث تحول في الوجهات التجارية لسوريا
ويزداد الاعتماد أكثر على المنتجات الأميركية، عوضاً عن الاعتماد على دول
أخرى مثل روسيا وإيران خصوصاً، لتأمين حاجات الدولة ومشاريعها وشركاتها.
استثمارات أميركية كبيرة
من جهته، قال عضو غرفة تجارة دمشق محمد
حلاق إن "رفع العقوبات الأميركية عن الصادرات الأميركية إلى سوريا وفسح
المجال لتطوير التبادل التجاري بين البلدين أمر في غاية الأهمية، ويؤكد أن
مسار العلاقات بين البلدين يسير إلى الأمام"، متوقعاً أن تشهد التجارة
نمواً ملحوظاً خلال الأعوام المقبلة سواء لمنتجات مباشرة للأسواق، أو لزوم
المشاريع والاستثمارات التي قد يدخل بها مستثمرون أميركيون إلى سوريا.
وقال الحلاق "قد تمر العمليات التجارية
وسرعة إنجازها ومختلف صور التعاون الأخرى ببعض البطء لأن هناك نوعاً من
البيروقراطية تتعلق بموضوع إثبات رفع العقوبات وتقديم الوثائق من قبل
الجانب السوري، فعلى سبيل المثال على رغم أن شركتي "دي أتش أل" و"أرامكس"
تتعاملان مع السوق السورية حالياً، فإن إنجاز الأوراق والمعاملات معهما
يحتاج إلى وقت طويل حتى الآن (نحو 20 يوماً)، مقابل يوم أو يومين إذا كان
الشحن عبر لبنان أو الأردن، إلا أن الأمور ستتجه آجلاً أم عاجلاً إلى
مسارها الطبيعي.
وأشار الحلاق إلى أن الإجراءات الأميركية
اتجاه سوريا تسير بصورة جيدة حتى الآن، ولم يستبعد قدوم استثمارات أميركية
مهمة إلى سوريا، كون دمشق اليوم بلداً خاماً ويحتاج إلى إعادة إعمار واسعة
وكبيرة وكلفة بمليارات الدولارات، ومن الطبيعي أن يبدي كثير من الشركات بما
فيها الأميركية الرغبة بالقدوم إلى سوريا، لافتاً إلى أن الخطوة الأهم
التي يجب إنجازها مستقبلاً أن يكون لدى سوريا "بورصة" على مستوى عالمي مما
سيحفز قدوم المستثمرين حكماً، قائلاً "قد لا تكون سوريا بلداً بكراً ولكن
ينقصها كثير وكثير يدخل في خانة المشاريع الكبيرة والاستراتيجية"، مشيراً
إلى أن الوجود الاستثماري الأميركي في سوريا سيكون في صورة "استثمارات
كبيرة جداً " وتحديداً في مجال النفط والغاز والطاقة والتكنولوجيا.
هذا ويبدو حجم التبادل التجاري بين سوريا
والولايات المتحدة حالياً محدوداً، لمصلحة دمشق، مما دفع الرئيس الأميركي
إلى فرض رسوم عالية على الصادرات السورية. وتشير الأرقام إلى أن الصادرات
السورية إلى الولايات المتحدة بلغت عام 2024 نحو 11.18 مليون دولار وتمثل
واحداً في المئة من الصادرات السورية، أما المستوردات السورية من الولايات
المتحدة فلا تتجاوز بضعة ملايين من الدولارات، إلا أن المعلومات تشير إلى
وجود استيراد واسع ولكن عبر دول وجهات وسيطة هرباً من العقوبات، خصوصاً
لبنان الذي كان يؤمن تدفق كثير من السلع الأميركية والأوروبية إلى سوريا،
تهريباً أو بالاتفاق مع مؤسسات حكومية معاقبة.
وتخطط
شركات نفط أميركية عدة للاستثمار داخل سوريا، منها "بيكر هيوز" و"هانت
إنرجي" و"أرجنت" للغاز الطبيعي المسال، وتعمل هذه الشركات معاً على خطة
لإعادة بناء قطاع الطاقة السوري بعد رفع العقوبات الأميركية عن سوريا خلال
يونيو الماضي. اندبندنت عربية
|