سيرياستيبس
كتب الاعلامي غالب درويش
تواجه السوق المالية السعودية منذ بداية العام الحالي تحدياً يتمثل في تراجع السيولة، وهو ما يثير تساؤلات حول آفاقه المستقبلية وسط تقلبات حادة وزيادة الضغوط البيعية وتراجع في ثقة بعض المستثمرين ليأتي متزامناً مع التوترات الجيوسياسية وتصاعد تطورات الرسوم الجمركية واستمرار الحرب التجارية.
وعلى رغم أن هذا التراجع قد يبدو مقلقاً للبعض، فإن محللين قالوا لـ"اندبندنت عربية" إنه قد لا يكون سوى سلبية موقتة تخفي وراءها فرصاً استثمارية واعدة، لا سيما مع قرب انتهاء موسم الإجازات الصيفية وبدء ظهور نتائج الشركات للربع الثالث من العام الحالي.
هل هناك فجوات مالية؟
ومن المراقبين من يرى أن المتداولين دخلوا في صدمة من أداء السوق في الأعوام القليلة الماضية، بخاصة بالمقارنة مع الأسواق العالمية وأحياناً الإقليمية، بل تساءلوا إن كانت هناك فجوات مالية أو فنية في السوق لم تعالج؟ فكل هذا التنوع الاقتصادي السعودي وهذا الحراك المالي كيف لا ينعكس على أداء السوق؟ فهل سبب العزوف في السيولة "نفسي" أم أزمة ثقة في تنظيمات الأداء أم انتعاش المنافسة العالمية للأسواق؟
توجه نحو العقار للمدى البعيد
وهناك من يرى أن لضعف السيولة سبباً آخر هو التوجه الاستثماري للعقار فهو مربح في المدى البعيد لأنه من دون رسوم، بحسب ما أورده أحد المتخصصين.
نعرف أن سوق الأسهم السعودية تخضع للطلب والعرض، وغالباً ما يكون مستوى الطلب صعباً في كل المجالات، فكيف وصل التذبذب في السوق إلى هذا الحد من التراجع؟ هل صحيح هناك صعوبة في الانتعاش؟
متخصصون يرون في حديثهم أن الضغوط التي يتعرض لها سير جلسات كثيرة، ولعل سيل الاكتتابات القياسية، سبب وجيه في صعوبة الانتعاش.
البحث عن الإستقرار
الوضع بصورة عامة عند غالب المتداولين هو البحث عن الاستقرار في السوق بين الربح والنشاط الاقتصادي الجديد في البلاد، والتطلع إلى جهود "فعالة" في تطوير اقتصادي للسوق مضامينه تصب في مصلحة المستثمرين، إذ المطالبة بالتركيز على الكيف وليس الكم للطروحات الجديدة، فيما يرى بعضهم أن موجة الطروحات الكبيرة لم تواكب ما يراه المراقبون من أهمية التوقف في دراسة وافية في طرح الشركات الجديدة، وفي طريقة تقييمها، فالأسواق وإن كانت حرة إلا أن المصلحة العامة تتطلب مزيداً من الرقابة وعدم تكرار التجارب السلبية السابقة، ويتطلب ذلك مراجعة كل الطروحات الجديدة وتحديد أولويات السوق.
وأوضح المحللون أن هناك أربعة أسباب رئيسة وراء الانخفاض الملحوظ في أحجام السيولة بالسوق المالية السعودية في الفترة الأخيرة، ومن تلك الأسباب أن استمرار ارتفاع أسعار الفائدة يدفع المستثمرين للبحث عن أوعية ادخارية أكثر أماناً، مشيرين إلى أن ثاني تلك الأسباب هو أن عدم استقرار أسعار النفط يضفي بعض الضبابية على ضخ سيولة جديدة.
ولفتوا إلى أن من تلك الأسباب أيضاً موسم الإجازات الصيفية والطروحات الجديدة، وهما اللذان يسهمان بصورة رئيسة في انخفاض حجم وقيم التداول.
وأشاروا إلى أن هذا التراجع في السيولة قد يكون سلبياً موقتاً، وأن أساسات السوق لا تزال قوية، ولفتوا إلى أن انخفاض السيولة في سوق هابطة يعد عاملاً إيجاباً لأنه لا يخلق مستويات مقاومة قوية عند الارتداد، مما يتيح للسوق استعادة عافيتها بصورة أسرع. وأكدوا أن غياب ضغوط البيع الكبيرة مع ثبات الأسعار نسبياً يمنح السوق فرصة للتعافي.
وتوقع محللون أن يشهد أداء السوق تحولاً من السلبية إلى الإيجابية بعد انتهاء فصل الصيف، وأضافوا أن هناك فرصاً استثمارية واعدة في قطاعات مثل البنوك والرعاية الصحية والبتروكيماويات، إضافة إلى قطاعي المقاولات والعقارات، وأن نتائج الربع الثالث للشركات قد تسهم في تعزيز الاتجاه العام للسوق.
وأكدوا أن حال الترقب التي تخيم على السوق لا تزال مرتبطة بعوامل مؤثرة كالتطورات في أسعار النفط والإنفاق الحكومي، إضافة إلى التوقعات في شأن قرارات البنوك المركزية العالمية حول أسعار الفائدة.
متوسط السيولة
وبحسب إحصائية لـ"اندبندنت عربية" استناداً إلى بيانات سوق الأسهم السعودية، فإن متوسط سيولة التداول اليومية بلغ نحو 5.5 مليار ريال (1.47 مليار دولار) خلال عام 2025، في حين أن متوسط أغسطس (آب) الجاري بلغ 4.4 مليار ريال (1.17 مليار دولار)، أي أقل بمليار ريال (267 مليون دولار)، وهو ما تزامن مع تفاقم خسائر مؤشر "تاسي" لتقترب سنوياً من 10 في المئة، بعدما فقد نحو 7.2 في المئة خلال الربع الثاني من 2025، مسجلاً ثالث خسارة فصلية على التوالي.
بلغت الخسائر السوقية الإجمالية منذ بداية العام الحالي نحو 1.16 تريليون ريال (310 مليارات دولار). (أ ف ب)
وسجل متوسط قيم التداول اليومية بالسوق المال السعودية في الربع الأول نحو 5.9 مليار ريال (1.57 مليار دولار)، ثم انخفض في الربع الثاني إلى 5.5 مليار ريال (1.47 مليار دولار)، بينما وصل إلى 4.5 مليار ريال (1.2 مليار دولار) في الربع الثالث حتى نهاية الأسبوع قبل الأخير من الشهر الجاري.
وبلغت الخسائر السوقية الإجمالية منذ بداية العام الحالي نحو 1.16 تريليون ريال (310 مليارات دولار).
مخاطرة أقل
بدوره أوضح المحلل المالي والمحاضر في التمويل والاستثمار يوسف يوسف أن هذا الانخفاض في قيم التداول بالسوق المالية السعودية منذ بداية العام الحالي يقابله ارتفاع في أحجام التداول، مما قد يشير إلى أن المستثمرين الأفراد يفضلون الأسهم ذات الأسعار المنخفضة التي تكون تقلباتها أقل مخاطرة.
ولفت إلى أن متوسط قيم التداول اليومية يتناقص بصورة متزايدة في الأرباع المتتالية من العام الحالي، وبين أن هذا الانخفاض كان واضحاً بصورة خاصة في الأسبوع الماضي، موضحاً أن متوسط قيم التداول لم يتجاوز 4.17 مليار ريال (1.11 مليار دولار)، وهو مستوى مقارب لما شهدته السوق بالأسبوع الأول من يونيو (حزيران) بعد عطلة عيد الأضحى، وفي الأسبوع الثاني من يوليو (تموز)، مما يدل على استمرار ضعف السيولة في السوق.
وأكد أن هناك أربعة أسباب رئيسة لضعف السيولة بالسوق السعودية، مشيراً إلى أن السبب الأول يرجع إلى استمرار ارتفاع أسعار الفائدة، مما يدفع بعض المستثمرين للبحث عن أوعية ادخارية أكثر أماناً وتوفر عائداً مرتفعاً، وهو ما يؤثر سلباً في السيولة بالسوق.
وأضاف أن السبب الثاني يتمثل في عدم استقرار أسعار النفط، الذي يضغط على الموازنة العامة للسعودية والإيرادات النفطية، ويضفي بعض الضبابية على ضخ سيولة جديدة في السوق.
وأشار إلى أن السبب الثالث هو موسم الإجازات الصيفية في أغسطس (آب)، إذ يقل تركيز المتداولين، مما يؤدي إلى انخفاض في حجم وقيم التداول، أما السبب الرابع فهو الطروحات الجديدة، إذ تتجه المؤسسات إلى توفير السيولة لاقتناص هذه الفرص التي تعد أقل مخاطرة من التقلبات اليومية للسوق.
فرص واعدة
بدوره أوضح عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد "تشارترد" للأوراق المالية والاستثمار بالإمارات وضاح الطه أن أساسات السوق السعودية لا تزال قوية ومتينة، على رغم التراجع الحالي الذي يشهده، مشيراً إلى أن هذا التراجع قد يخفي فرصاً استثمارية واعدة للمستثمرين.
وأشار إلى أن السوق السعودية تتمتع بقطاعات متنوعة وسيولة جيدة، وعلى رغم أنها قد تنخفض أحياناً، فإنه يرى أن انخفاض السيولة في سوق هابطة يعد عاملاً إيجابياً لأنها لا تخلق مستويات مقاومة قوية عند الارتداد، مما يتيح للسوق استعادة عافيتها بصورة أسرع وأكثر سلاسة.
وأوضح أن أداء القطاعات الأساسية، مثل البنوك، مقبول، متوقعاً أن تسهم نتائج الربع الثالث للعام الحالي في تعزيز الاتجاه العام للسوق المالية السعودية.
ولفت إلى أهمية متابعة مكررات الربحية ومضاعف القيمة الدفترية لأن ارتفاع أرباح الشركات يؤدي إلى خفض مكررات الربحية، مما يجعل الأسهم أكثر جاذبية.
وأضاف أن الانتقاء يجب أن يكون على أساس الأداء الفردي للأسهم ضمن القطاع وليس على القطاع بأكمله، نظراً إلى وجود تناقضات في الأداء والمكررات بين الشركات. ولفت الطه إلى أن هناك فرصاً حقيقية لتقليص الخسائر تدريجاً في النصف الثاني من العام، وتحديداً في الربعين الثالث والرابع، مما يؤكد إيمانه بقدرة السوق على التعافي.
سلبية موقتة
وأكد نائب رئيس مجلس إدارة مباشر هولدنغ للاستثمارات المالية إيهاب رشاد أن السوق المالية السعودية تشهد حالياً حالاً من السلبية تتجلى بصورة خاصة في مستويات السيولة التي وصفها بالمنخفضة بصورة ملحوظة.
وأشار رشاد إلى أن هذه السلبية قد تكون موقتة وتحمل دلالات إيجابية، موضحاً أن انخفاض السيولة مع ثبات الأسعار نسبياً يغيب ضغوط البيع الكبيرة.
تحول إيجابي
توقع المستشار المالي لدى شركة "المتداول العربي" محمد الميموني أن يشهد أداء السوق المالية السعودية تحولاً من السلبية إلى الإيجابية بعد انتهاء فصل الصيف مع تبلور الرؤية لدى المستثمرين واستيعابهم للبيانات الاقتصادية الحالية. وأضاف أن عدداً من الشركات حققت نتائج مالية إيجابية، لا سيما في قطاعات البنوك والرعاية الصحية والبتروكيماويات.
وأوضح أن حال الترقب الحالية في السوق تعود جزئياً إلى انتظار وضوح أكبر في شأن الإنفاق الحكومي وأسعار النفط على رغم الإشادة الدولية بقوة الاقتصاد السعودي والإصلاحات الهيكلية الجارية التي وردت في تقارير إيجابية مثل تقرير صندوق النقد الدولي.
وأشار الميموني إلى وجود فرص استثمارية قد تعزز عمليات الشراء الانتقائي، خصوصاً في قطاعي المقاولات والبنية التحتية المرتبطين بالمشاريع الحكومية العملاق.
فرص مهمة
ولفت المحلل المالي محمود عطا إلى أن الربع الثالث من العام الحالي سيكون جوهرياً، وأن أهم الفرص التي تلوح في الأفق بعد تراجع الأسعار بصورة ملموسة هي في قطاعي البنوك في ظل التوقعات بخفض أسعار الفائدة والعقارات في ضوء الخطط المعلنة من الشركات.
وتوقع عطا عودة السيولة للارتفاع في السوق حال خفض "الاحتياطي الفيدرالي" أسعار الفائدة في اجتماعه المقبل.
اندبندنت عربية