سيرياستيبس
أعلن وزير الاستثمار السعودي خالد بن عبدالعزيز الفالح عن زخم استثماري سعودي كبير غير مسبوق في سوريا شمل توقيع 47 مذكرة تفاهم استثمارية بين البلدين بقيمة 24 مليار ريال سعودي (6.4 مليار دولار أميركي) تركزت في مجالات الصناعة والطاقة والبنية التحتية والتطوير والتقنيات المالية.
إعلان الوزير السعودي جاء خلال كلمة له في افتتاح المنتدى الاقتصادي (السوري – السعودي) الذي انطلق صباح اليوم الخميس في قصر الشعب بدمشق بحضور الرئيس السوري أحمد الشرع، وبمشاركة أكثر من 100 شركة من القطاع الخاص إلى جانب 20 جهة حكومية، إضافة إلى 500 من رجال الأعمال في البلدين.
وأكد الوزير السعودي توقيع اتفاق ملياري مع شركة "بيت الإباء" السعودية لبناء مشروع سكني وتجاري متميز في مدينة حمص، إضافة إلى مذكرة تفاهم بين شركة "تداول" وسوق دمشق للأوراق المالية، واتفاقات مع مجموعة "تداول" السعودية في مجالات التمويل والبيانات، إلى جانب التوقيع على إنشاء أكثر من ثلاثة مصانع جديدة للأسمنت، بما يلبي حاجات الإعمار في سوريا إلى جانب توقيع مذكرات تفاهم بقيمة 4 مليارات ريال بين وزارة الاتصالات السورية وعدد من كبرى شركات الاتصالات السعودية من بينها "STC" و"علم".
وأعلن الفالح عن توجيه من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بتأسيس "مجلس أعمال سعودي سوري" برئاسة محمد أبونيان رئيس "شركة أكوا باور" السعودية، لتعزيز التعاون التجاري والاستثماري بين البلدين، مشيراً إلى أن الاتفاقات الموقعة ستدخل حيز التنفيذ بسرعة.
وأضاف الفالح أن "هذه الزيارة تأتي تأكيداً لموقف الرياض الراسخ بدعم سوريا"، مؤكداً أن "الاستثمار في سوريا سيكون في كثير من المجالات"، مشيراً إلى أن هناك استثمارات سورية في السعودية تصل إلى نحو 10 مليارات ريال (2.7 مليار دولار).
من جهته، رأى وزير الصناعة السوري نضال الشعار في كلمة له في افتتاح المنتدى، أن زيارة الوفد السعودي تأتي في وقت بالغ الأهمية، مؤكداً أن العلاقات الأخوية والتاريخ المشترك بين البلدين يشكلان أساساً متيناً لانطلاقة جديدة نحو شراكات إستراتيجية فعالة، تسهم في خدمة المصالح العليا للشعبين، وتفتح آفاقاً واسعة للاستثمار والتنمية والتكامل الاقتصادي.
وأوضح أن الزيارة الحالية للوفد السعودي تجسد روح التعاون العربي، وتعزز قيم الأخوة والعمل المشترك، وقال إن سوريا تنظر بتفاؤل كبير إلى ما تحمله المرحلة المقبلة من فرص واعدة في مختلف المجالات، لا سيما في ظل التحول الحقيقي الذي تشهده البلاد نحو البناء والنمو والازدهار، مؤكداً التزام الحكومة السورية تعزيز بيئة الاستثمار، وتوفير كل التسهيلات والدعم اللازم للمستثمرين، والمضي قدماً في دعم هذا المسار لما فيه من تحقيق للمصالح المشتركة والمنفعة المتبادلة للشعبين والبلدين.
هذا وكان لافتاً توزيع المشاريع الاستثمارية السعودية على مختلف المناطق والمحافظات السورية بما يدعم مسار التنمية المستدامة والمتوازنة، مع الإشارة إلى أن المشاريع المعلنة تؤمن أكثر من 55 ألف فرصة عمل.
في غضون ذاك، وصف تجار دمشقيون الانفتاح الاستثماري السعودي والتجاري على سوريا بأنه عتبة حقيقية باتجاه الخلاص الاقتصادي لسوريا، مؤكدين أن الإقبال السعودي للعمل والاستثمار في سوريا يعطي دلالات واضحة على أن البلاد تسير نحو تحقيق الأمن والأمان، وأن الاستثمارات السعودية المرتقبة ستشكل طريقاً لمرور كثير من المستثمرين إلى سوريا من مختلف أنحاء العالم.
ومع الإعلان عن اتفاقات لدخول استثمارات سعودية مهمة إلى سوريا تكون دول الخليج قد أكدت وقوفها إلى جانب انطلاقة سوريا الجديدة التي يزدهر فيها الاقتصاد والأعمال بما يحويه ذلك من تحسين معيشة السكان وتوظيف عشرات آلاف السوريين من خريجي الجامعات وأصحاب الحرف والعمال، والدفع بالناتج المحلي الإجمالي للبلاد خطوات مهمة إلى الامام، إذ يتوقع صناعي سوري تجاوز توقعات البنك الدولي الذي قال إن الناتج المحلي الإجمالي سيكون طفيفاً وبمقدار واحد في المئة، في حين أنه يتوقع أن يتجاوز خمسة في المئة بفضل النشاط التجاري والرسوم الجمركية وحركة الموانئ والمعابر والإصلاح الضريبي وانعكاسه على التحصيل والاستثمارات والسياحة وعودة المغتربين وإعادة تشغيل المصانع وإقامة مصانع جديدة، بعضها دخل في الخدمة وغيرها من الأمور المكونة للناتج المحلي الإجمالي.
ولم يستبعد الصناعي السوري وعضو المنتدى السوري للتنمية محمد الشاعر أن يحقق الناتج المحلي الإجمالي لسوريا قفزات مهمة خلال الاعوام المقبلة، بحسب توقعاته، إذا ما تحقق المشهد الاستثماري كما يخطط له وبخاصة أن الحكومة السورية استطاعت أن توفر بيئة مهمة للعمل تلبي طموح المستثمرين.
ووصف الشاعر خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية" الزخم الاستثماري السعودي وانعقاد المنتدى السعودي - السوري بالحدث الأبرز الذي تشهده سوريا منذ أعوام طويلة، سواء على الصعيد العام أو على صعيد العلاقات بين البلدين، إذ إن السعودية لطالما كانت شريكاً تجارياً واقتصادياً رئيساً لسوريا، واليوم تمضي لتكون الاستثمارات السعودية في الطليعة، لافتاً إلى أن الاتفاقات والمشاريع التي سيجري التوقيع عليها أو تلك التي يجري التحضير لها ستحدث نقلة مهمة في المشهد الاستثماري والاقتصادي، بخاصة أن الاستثمارات السعودية تتركز في قطاعات حيوية في مجال النقل الجوي والتطوير العقاري والصناعي والسياحي وغيرها.
الاستثمارات السعودية بيضة القبان أما رجل الأعمال السوري المغترب ياسر أسعد والذي يستعد للعودة كوكيل لشركة بناء سعودية في سوريا فقال لـ "اندبندنت عربية" إن "المنتدى السوري - السعودي بالزخم والدعم الذي حصل عليه من شأنه أن يشكل بوابة واسعة لدخول الاستثمارات السعودية والخليجية"، مضيفاً أن الطرف المهم في إعادة إعمار سوريا سيكون الخليج العربي عبر مجموعات وشركات ذات سمعة وخبرة مهمة، والأهم نقل تجربة السعودية في التنمية المستدامة وهو ما تحتاج إليه سوريا بإلحاح، في ظل الضعف الذي تعانيه اقتصادياً وخدمياً، مشيراً إلى أن دول الخليج مرشحة لتقود قاطرة الاستثمار في سوريا التي تحتاج إلى 400 مليار دولار لإعادة الأعمار، لافتاً إلى أن الاستثمارات المتوقع قدومها من السعودية والخليج يمكن أن تخلق محوراً لاستقطاب الاستثمارات والمستثمرين باتجاه سوريا، إذ يمكن أن يخلق ذلك نوعاً من الثقة والاندفاع لدى كثير من الشركات والمستثمرين وحتى الدول للتوجه إلى سوريا والاستثمار فيها، باعتبارها فرصة استثمارية رئيسة في العالم.
وقال أسعد "نلاحظ أن هناك اهتماماً أميركياً وأوروبياً وصينياً بالاستثمار في سوريا، وأعتقد أن السعوديين يشكلون بيضة القبان التي ستعطي الثقة بالاستثمار في سوريا، خصوصاً أنها ستعطي رسالة مهمة إلى العالم أن سوريا في طريقها إلى أمن وأمان واستقرار سياسي واقتصادي"، مؤكداً أن الحراك الاستثماري السعودي باتجاه سوريا يعكس التقبل السوري التاريخي للسعوديين اجتماعياً واقتصادياً وتجارياً.
معرض للمنتجات السورية في الرياض من جانبه قال عضو غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق إن "الحراك الذي يشهده التعاون السعودي - السوري مهم جداً، فالسعودية وفرت تسهيلات لرجال الأعمال السوريين للدخول إلى السعودية، وسمحت وشجعت مستثمريها للقدوم إلى سوريا والاستثمار فيها"، مضيفاً "أعتقد أن السعودية اليوم تبني حجر أساس للعمل والاستثمار في سوريا، خصوصاً أن الجو السائد حالياً يتمثل بوجود نوع من التقبل لدى السوريين لأي تعاون مع السعودية والترحيب به".
وتابع أنه "إضافة إلى الاتفاقات التي ستوقع بين البلدين، وكلها مشاريع كبرى، فإننا كرجال أعمال نتطلع إلى إقامة مصرف سوري - سعودي بما يسهل التعاملات المصرفية وحرية تدفق الأموال بين البلدين، آملا بأن تكون هناك خطوة جريئة في هذا الاتجاه، خصوصاً أن هناك طموحاً كبيراً لدى رجال الأعمال السوريين لتعزيز مكانة المنتجات السورية في السعودية"، داعياً في هذا الإطار إلى إقامة معارض دائمة للمنتجات السورية في أكثر من مدينة سعودية، وموضحاً أن "منتجاتنا منافسة وجودتها عالية وتحتاج إلى فرصة نأمل أن توافرها لها السعودية، ولربما نطلب كثيراً ولكن طلباتنا مدعومة بقناعتنا بمحبة ورغبة السعودية في مساندة سوريا اقتصادياً كما تساندها سياسياً".
وأضاف الحلاق أن فتح الأسواق السعودية أمام المنتجات السورية يعني أن الخليج كله قد فتح، وبالتالي فإن ذلك يعني تطور واتساع الإنتاج وتحقيق قيم مضافة في الاقتصاد وتوظيف يد عاملة وزيادة تنافسية المنتجات السورية، آملاً بتحقيق تكامل اقتصادي بين سوريا والسعودية وأن تكون الرياض السباقة في إقامة معارض تخصصية للمنتجات السورية، مؤكداً أن "المحور السعودي الاقتصادي هو الأهم في المنطقة، ولذلك فان التعاون معها سينعكس إيجاباً على الاقتصاد والمجتمع السوري ".
العلاقات التجارية قبل عام 2011 وشهدت دمشق عام 2010 انعقاد منتدى لرجال الأعمال السعوديين والسوريين بهدف تشجيع وتعميق الاستثمار المشترك بين البلدين، خصوصاً بعد زيارة الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز إلى سوريا، وجاء المؤتمر بهدف رفع الاستثمارات السعودية من 750 مليون دولار إلى مليار دولار للاستفادة من تحسن البيئة الاستثمارية في سوريا، ومن أهم مشاريع الرياض قبل الثورة السورية "المجمع الصناعي السعودي" في عدرا بكلفة تخطت الـ 100 مليون دولار، إضافة إلى كثير من المشاريع الأخرى في المدن الصناعية الثلاث الأخرى في حمص وحلب ودير الزور، مما جعل السعودية تتصدر مشاريع الاستثمار الأجنبي في تلك المدن المذكورة خلال عام 2009.
وبالنسبة إلى التبادل التجاري، بحسب بيانات صادرة عن "مجلس الأعمال السوري - السعودي" الذي أُسس عام 1991، فقد كانت السعودية تحتل موقعاً مهماً في قائمة التبادلات التجارية السورية مع دول العالم، فقد كانت في المرتبة الثانية بعد إيطاليا في قائمة الدول ذات التبادلات التجارية الأوسع مع سوريا حول العالم، علماً أن غالبية التبادل التجاري مع إيطاليا يصب في صادرات النفط الخام، في حين احتلت الرياض المرتبة الأولى في قائمة الدول العربية ذات التبادلات الأكثر مع سوريا بنحو 100 مليار ليرة سورية خلال عام 2008، حين كان الدولار يساوي 50 ليرة.
ووفقاً لخلاصة التجارة الخارجية لعام 2007 فقد شكلت الصادرات السورية إلى السعودية 9.77 في المئة من إجمال الصادرات السورية إلى دول العالم وبقيمة وصلت إلى نحو56.6 مليار ليرة، وخلال أعوام الحرب تراجع التبادل التجاري وتوقفت الاستثمارات السعودية في سوريا، وتشير إحصاءات عام 2024 إلى تسجيل الصادرات السعودية إلى سوريا نحو 500 مليون ريال، بحسب بيانات "الهيئة السعودية العامة للإحصاء".
اندبندنت عربية
|