سيرياستيبس
لا تزال الحملات الترويجية والمنشورات الإعلانية المحفزة بعيدة كل البعد عن المواطن، كما أن موسم التخفيضات الصيفية لا يخفف عنه أعباء الغلاء.
وأمام ارتفاع أسعارٍ بدأ قبل التنزيلات، إضافة إلى ضعف القدرة الشرائية، يبرز السؤال: كيف يمكن المواءمة بين الأسعار ودخل الفرد؟ وكيف نحقق التوازن بين أطراف المعادلة؟ وعلى من تقع مسؤولية تحقيق مصلحة التاجر والمستهلك في آن معاً؟
معضلة كبيرة النائب السابق لغرفة صناعة دمشق وريفها، لؤي نحلاوي، رأى أن هذه الظاهرة تشكل معضلة كبيرة ليس فقط في الألبسة، وإنما أيضاً في المواد الغذائية والأدوات المنزلية، مبيناً أن المسؤولية الكبرى تقع على ارتفاع إيجارات الفعاليات والمحال التجارية بشكل جنوني، إذ ارتفعت بأكثر من خمسة أضعاف، وأصحاب العقارات لا يرحمون أبداً.
وطالب الحكومة بإيجاد ضوابط وحلول لموضوع الإيجارات، مشيراً إلى أن الأمر قد يتعلق بالعرض والطلب، فالطلب أصبح كبيراً والعرض قليلاً، ما انعكس على الأسعار سواء في المولات التي ارتفعت فيها الأسعار بشكل كبير جداً، أو في إيجارات أسواق الحمراء والصالحية، وهو ما انعكس بدوره على قيمة السلع في تلك المحلات التي تشكل نسبة كبيرة.
وأشار نحلاوي إلى أن المنافسة تقوم على كمية المبيعات، فالمحل في ظل ضعف القوة الشرائية، كان يبيع في آخر النهار بعشرة ملايين، أما اليوم فأصبحت مبيعاته مليوناً أو خمسمئة ألف فقط.
وبالتالي، كيف يمكنه تحمل تكاليف الإيجار في ظل هذه الأرقام، عدا عن تكاليف الرواتب والأجور والكهرباء؟ موضحاً أن المشكلة الكبرى تكمن في الإيجارات وارتفاعها، لافتاً إلى أن إيجارات المحلات التجارية في سوريا تعد من الأغلى مقارنة بعواصم العالم مثل باريس ودبي، فضلاً عن شبه انعدام القدرة الشرائية.
وأضاف نحلاوي: إن الأمر ينطبق أيضاً على المطاعم التي ارتفعت أسعار مأكولاتها نتيجة ارتفاع الإيجارات، منوهاً إلى أنه في الآونة الأخيرة ظهرت العديد من المحلات المغلقة برسم الإيجار، إذ يطلب أصحابها قيمة إيجارية مرتفعة لا يستطيع أحد تحملها لغياب الجدوى الاقتصادية، فظلت مغلقة.
وختم نحلاوي بالتأكيد على أن سبب ارتفاع الأسعار يتعلق بالإيجارات، علماً أننا لم نتطرق إلى الجمارك، ولا الرواتب والأجور، ولا غيرها من المصاريف، وإنما تحدثنا فقط عن تكاليف الإيجارات، معتبراً أنها السبب الجوهري لارتفاع الأسعار.
انخفاض من دون انعكاس بدوره، أوضح النائب السابق لغرفة تجارة دمشق محمد الحلاق، أن هناك انخفاضاً كبيراً في الأسعار عن السابق، مبيناً أن كثيراً من المواد سواء الغذائية أو الكِسائية أو غيرها انخفضت أسعارها، إلا أن التخفيضات لم تنعكس كما يجب، نتيجة ارتفاع الأعباء والنفقات بشكل أكبر من السابق.
وأشار إلى أن من كان يدفع مليون ليرة إيجاراً شهرياً لمتجره، أصبح اليوم يدفع مليونين أو أربعة ملايين، إضافة إلى اختلاف نفقات النقل للوصول إلى المحل، وهو ما أدى إلى ارتفاع الأسعار وعدم انخفاضها بالشكل المرجو.
وبيّن أن المنافسة قوية والأسعار رخيصة رغم وجود بعض المنتجات (كالألبسة) بجودة أقل، إلا أنها تبقى أرخص مقارنة مع الخارج، مستشهداً بمثال: سعر “الديشرت” في سوق الحمراء يبلغ مئة ألف ليرة، في حين لا توجد دولة في العالم تبيع هذه السلعة بتسعة دولارات فقط.
ونبّه الحلاق إلى وجود مشكلة حقيقية في انخفاض كميات المبيعات، إذ تتحمل السلعة نفسها هذا الانخفاض، إضافة إلى أن المحل يواجه أعباء كبيرة بغض النظر عن ضعف التوظيف، وبالتالي لا يعوض رأس المال، موضحاً أن النفقات الثابتة في أي متجر تُقسم عادةً على حجم المبيعات، ما يجعل انخفاض المبيعات وارتفاع النفقات سبباً رئيسياً في غياب التوازن.
ويرى الحلاق أن الحل الحقيقي يبدأ برفع القدرة الشرائية للمواطن، ويكون الراتب والمردود المالي متناسباً مع الجهد ومجزياً في الوقت نفسه.
وأكد أن انخفاض حجم الأعمال أدى إلى العجز عن رفع الرواتب، مشدداً على أن زيادة التوظيف تتطلب رفع الأجور، وهو ما يحتاج إلى حركة دوران أكبر لرأس المال في الأسواق.
وأشار إلى أن المعالجة تبدأ من الحكومة بزيادة حجم الإنفاق قليلاً، ما يؤدي إلى زيادة حركة رؤوس الأموال وإنعاش الأسواق، آملاً أن تتحقق هذه المعادلة خاصة أن شهر أيلول يعد صعباً على الجميع من حيث المدارس والمونة والتدفئة والكساء.
انخفاض في الأسعار من جانبه، نائب رئيس القطاع الكيميائي في غرفة صناعة دمشق وريفها محمود المفتي، الذي خالف الرأي السابق، أكد وجود تخفيضات حقيقية في الأسواق، إلا أن القدرة الشرائية منخفضة نتيجة عدم توازن الدخل مع الإنفاق، وعدم توازن رواتب القطاع الخاص التي لا تزال أعلى من القطاع العام.
وأشار إلى أن التصدير هو الذي يشغل العمالة ويرفع الطاقة الإنتاجية للمعامل، ما ينعكس على مردودية رأس المال وعلى العمالة ودخلها، منوهاً بأن المرحلة الحالية لا تزال في طور التعافي، حيث لم يحدث دوران فعلي لعجلة الإنتاج والتنمية الصناعية.
وبيّن المفتي أن الزراعة تواجه أعباء كبيرة من بذار وأسمدة وري وحصادات وغيرها من مستلزمات، موضحاً أنه حتى الآن لا يوجد تعافٍ حقيقي، وإنما نحن في طور التعافي فقط.
وأكد أن المطلوب حالياً هو الاستعداد الجيد، خاصة في ظل إعادة هيكلة المعامل التي تحتاج إلى ضخ أموال من البنوك عبر منح محافظ تمويلية، ليتمكن الصناعي من تجديد معداته.
وبيّن أن الأمر مترابط من قرارات وتحسين بيئة العمل، لافتاً إلى أنه يشكل سلة واحدة متكاملة.
وأضاف: إنه حتى الآن لم تُترجم القرارات الأممية برفع العقوبات بشكل واضح، وإنما نحن في بداية التعافي.
الثورة
|