ففكرة تحول الموت إلى حالة «نخبوية» ليس مجرد تعبير مجازي، بل أصبح حقيقة مرّة تتجسد في ارتفاع تكاليف الجنازات والدفن وتوابعها، ما يجعلها عبئاً لا يُطاق بالنسبة للغالبية العظمى من السوريين.
أسعار صادمة!
تشير الأرقام إلى ارتفاع غير
مسبوق جعلت من الموت أزمة اقتصادية حقيقية، حيث يتراوح سعر القبر في دمشق
ما بين 100 إلى 175 مليون ليرة، وهو مبلغ خيالي يعادل ثمن شقة صغيرة في
الريف!
أما في الريف، في مناطق مثل عين ترما، فكلفة الدفن أقل، ولكنها
تبقى مع ذلك بعيدة المنال لكثيرين، فلن يجد المواطن قبراً بأقل من 12
مليون!
وحتى قبور الفقراء لم تعد للفقراء، فقد وصل سعر القبر في منطقة نجها، الأكثر رأفة بجيوب المواطنين، إلى 280 ألف ليرة.
بيروقراطية الموت
حُدِد سعر الكفن وسيارة الدفن
ضمن دمشق بـ 600,000 ليرة، ولكن الإجراءات الطويلة والبيروقراطية تدفع
بالبعض نحو تسريع الإجراءات والاستعاضة بسيارة إسعاف ومغسّل الموتى مقابل
مليون و200 ألف ليرة.
ثم تأتي رسوم أخرى: 5000 ليرة استحقاق الدفن، 2000
ليرة لترميم القبر، و2000 ليرة لتسجيل الوفاة، و2000 ليرة بيان وفاة،
و1000 ليرة بيان عائدية القبر، وأخيراً أجرة الحفّار 50,000 ليرة بالحد
الأدنى!
وهذا كله ولم نأتِ على ذكر تكاليف شواهد القبور، أو بناء طابق إضافي، ناهيك عن أجور الضيافة والعزاء.
عظم الله أجركم!
القضية ليست في الأرقام فقط، بل
في منظومة كاملة من اللا مبالاة والفساد، تُلقي بظلالها على العديد من
العائلات، فبدلاً من أن تتفرغ الأسر للتعامل مع حزنها ومواساة بعضها البعض،
تجد نفسها مجبرةً على البحث عن المال لتغطية نفقات الدفن، وقد تضطر إلى
الاقتراض أو بيع ما بقي من مدخرات لتوفير هذه التكاليف الباهظة.
ومن جهة
ثانية، أصبح هناك اكتظاظ في المقابر، ومحدودية في المساحات المخصصة للدفن،
ما يساهم في ارتفاع الأسعار. فمن الضروري أن تسعى الدولة إلى توفير أراضٍ
كافية للدفن بأسعار معقولة، وأن تنظم أسعار الخدمات المتعلقة بالدفن،
وتراقبها، وتخفف من وطأة البيروقراطية في استصدار الأوراق، بما يضمن على
الأقل كرامة الإنسان في موته!
قاسيون