فلا يزال السوريون يعانون الأمرّين لاستصدار جواز السفر، سواء في الداخل أو الخارج عبر السفارات والقنصليات. حيث يعاني المواطنون من بطء الإجراءات البيروقراطية في دوائر الهجرة والجوازات، كما يتطلب الحصول على موعد وقتاً طويلاً، خاصة أن المنصة الحكومية للتقديم إلكترونياً على الجواز محصورة بعدد محدد يومياً وتعاني من زيادة في الطلب، ما خلق أزمة للمواطن وترك الباب مفتوحاً أمام مكاتب «الوسطاء» «والمعقّبين» لتسريع الإجراءات، وهي ظاهرة برزت منذ ما قبل سقوط سلطة النظام ولا تزال مستمرة، لكن إحدى الاختلافات اليوم هو أن هذه المكاتب باتت تأخذ عمولتها بالدولار بدلاً من الليرة السورية.
جواز السفر حلم باهظ الثمن
لم يعد جواز السفر مجرد وثيقة
أو أداة للتنقل، بل تحول إلى حلم باهظ الثمن، يكاد يكون مستحيلاً للكثيرين،
لينضم إلى قائمة المستحيلات التي فرضتها سنون الأزمة.
فالحصول على
جواز السفر أصبح رحلة مضنية، تتسم بتكاليف مرتفعة، وعقبات إدارية، ومواعيد
تسليم بعيدة، لا تنتهي قبل أن يقف المواطن في طابور طويل قد ينتهي دوام
الموظفين قبل أن يأتي دوره، ليضطر مرغماً للوقوف في اليوم الآتي في الطابور
نفسه!
ورغم الوعود بتخفيض كلفة استصدار جواز السفر السوري، إلا أن
قيمته التي تجاوزت المبالغ التقليدية في العالم بشكل كبير، وصلت إلى أرقام
تتجاوز عتبة المليوني ليرة (ما يعادل 200 دولاراً) وفقاً لقدرة المواطن
المادية ومدى استعجاله.
وقد شكلت هذه التكلفة عبئاً إضافياً على كاهل
المواطن، الذي يعاني أصلاً من ارتفاع في الأسعار وتضاؤل في فرص العمل، فيما
يحتاج الموظف الحكومي إلى راتب خمسة أو ستة أشهر ليتمكن من دفع قيمة
الجواز، إذا ما استثنينا عمولة مكاتب الحجز على المنصة، التي تصل عند بعضهم
إلى 20 دولاراً!
ما الهدف من منصة لا تعمل؟
محاولة أي شخص من منزله التسجيل
على المنصة الإلكترونية لاستصدار جواز السفر هو أشبه بمعجزة، ولم نفهم إلى
الآن لماذا تقتصر هذه البِدعة على موظف في مكتب خاص يستطيع بسهولة الدخول
إلى المنصة والتسجيل، بينما المواطن يغرق في دائرة مفرغة من المحاولات
الفاشلة ورسائل تنذر بوجود خطأ وأنظمة لا تستجيب!
بالتالي فإن الصعوبة
التي يواجهها الموطن هي إما نتيجة إهمال متعمّد في تصميم واجهة المستخدم،
أو خلق متعمد لهذه الصعوبات لإجبار المواطنين على اللجوء إلى الوسطاء مقابل
مبالغ مالية، ما يعد شكلاً من أشكال النهب.
فتطوير المنصة والقضاء على
أي ثغرات يسهل استغلالها لخلق سوق سوداء للخدمات الحكومية بات ضرورة
ملّحة، ولا سيما في ظل حديث الحكومة المتزايد عن الرقمَنة والتطور
التكنولوجي.
بلادٌ تنام على الوعود ... ومواطنٌ ينام على أمل السفر
رغم كل ما ذُكر من صعوبات، ورغم
ما يقال عن «تحسن» الوضع المعيشي، «وارتفاع» قيمة الليرة مقابل الدولار،
ما زال طلب الحصول على جواز السفر يشهد إقبالاً كثيفاً.
فقد أعلنت
السلطات منذ أكثر من شهرين أنها أصدرت نحو 140 ألف جواز سفر منذ عودة أفرع
إدارة الهجرة والجوازات إلى العمل في 28 كانون الثاني.
إن تعلّق عدد غير
قليل من السوريين بأمل السفر هو مؤشر واضح على التحديات التي يواجهونها
كعوامل نبذ في ظل الوضع المعيشي الصعب، وشح فرص العمل، وتأخر الرواتب،
والظروف الأمنية والسياسية غير المستقرة بعد، ما يتطلب حلولاً جذرية وتوفير
بيئة تسمح للمواطنين بتحقيق تطلعاتهم داخل البلاد، ولا يمكن لذلك أن يبدأ
إلا عبر مؤتمر حوار وطني عام وشامل، ولن ينتهي إلا بإعادة إقلاع الاقتصاد
السوري.