سيرياستيبس :
حذر مسؤولون مصرفيون كبار من أن تخفيف قيود الاقراض بتعديل اللوائح والقواعد أخيراً، إلى جانب سعي البنوك ومؤسسات التمويل إلى تسهيل القروض حتى للمقترضين غير الجديرين للحفاظ على نصيبها من سوق الائتمان، قد يؤدي إلى فقاعة مصرفية تنذر بانفجار أزمة دين عالمية.
صحيح أن الأمر لم يصل بعد إلى ما يشبه الوضع الذي سبق الأزمة المالية العالمية في 2008 - 2009 بغليان المشتقات الاستثمارية للديون العقارية في الولايات المتحدة، التي قادت إلى انهيار بنك "ليمان براذرز" وانفجار الفقاعة، إلا أن كبار التنفيذيين في القطاع المصرفي يرون مؤشراً في انهيار شركتي تمويل أميركيتيين الشهر الماضي. وأرجع المصرفيون انهيار "فيرست براندز غروب" و"ترايكولور هولدنغ" الممولة لقروض شراء السيارات في سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى تساهل المصارف في إقراض عملاء يشكلون خطورة عالية. وعلى هامش مؤتمر "قمة فايننشال تايمز لرأس المال الخاص" في لندن الثلاثاء الماضي، تحدث أكثر من رئيس مصرف استثماري كبير عن أخطار التساهل في قواعد الاقراض. فقال الرئيس التنفيذي لصندوق "أبوللو غلوبال مانغمنت" مارك روان "غير مندهش من أن نشهد حوادث مماثلة في نهاية دورة مالية، اعتقد أنها الرغبة في كسب مساحة في بيئة عالية التنافسية هي التي دفعت باتجاه بعض التجاوزات". وأدى انهيار مؤسستي التمويل الشهر الماضي إلى تكبد صناديق مثل "بلاكستون" و"بي جي أي إم" ومصارف استثمارية لخسائر كبيرة، مما أدى إلى مزيد من الانتقادات لقروض البنوك وأسواق الدين الخاص وغياب الشفافية في شأن وضع المقترضين. زيادة الإقراض وأزمة الديون تأتي تلك التحذيرات والمخاوف في ظل التضخم الهائل في حجم الدين العالمي، سواء الدين السيادي أم ديون الشركات والديون الخاصة، والمرشح للزيادة مع تجاه البنوك المركزية في الاقتصادات الكبرى نحو مزيد من خفض سعر الفائدة. وفي مؤتمر "فايننشال تايمز" هذا الأسبوع أتهم مارك روان ورئيس صندوق "بلاكستون" جوناثان غراي البنوك بأنها مسؤولة عن التطورات الأخيرة. مع أن البنوك والمؤسسات المالية زادت من الانكشاف الخطر على "فيرست براندز" و"ترايكولور"، إلا أن معظم المصرفيين يرون انهيار شركتي الإقراض ليس مؤشراً قوياً على أن هناك "خللاً هيكلياً في النظام المالي"، مستبعداً أن يكون الانهيار مقدمة لانفجار فقاعة، على رغم تأكيده أن المسؤولية هي بالأساس على البنوك، وشهدت السنوات الأخيرة تنافساً بين البنوك وشركات التمويل الخاص على الحصص في سوق الائتمان والإقراض. ويرى المصرفيون في البنوك أن شركات التمويل الخاصة لا تخضع لقيود لوائح منظمة وقواعد عمل مشددة مثل القطاع المصرفي مما يعطيها ميزة تنافسية، وهكذا يتجه المقترضون أكثر نحو الحصول على الأموال من شركات التمويل الخاص، بينما تلجأ بعض البنوك لإقراض شركات التمويل تلك لما يحققه ذلك من أرباح أفضل، وتلك هي دائرة الانكشاف على مقترضين لا يتم التدقيق بصورة كافية في جدارتهم المالية.
على سبيل المثال، خسر بنك "جيه بي مورغان" الاستثماري 170 مليون دولار نتيجة انهيار "ترايكولور"، وقال الرئيس التنفيذي للبنك الأكبر في الولايات المتحدة من حيث الودائع والأصول جايمي ديمون أن "قرون الاستشعار تستنفر حين تحدث أمور مثل هذه ربما لا يجوز أن أقول ذلك، لكن عندما ترى صرصوراً في المكان فإن الاحتمال كبير بأن هناك مزيداً، وأعتقد أنه كان هناك فساد في هذه المسائل التي تخص انهيار الشركتين الماليتين، لكن هذا لا يعني أنه علينا تحسين إجراءاتنا". هذا الأسبوع أيضاً، طالب صندوق النقد الدولي سلطات مراقبة وتنظيم المصارف والقطاع المالي بالتركيز على انكشاف البنوك على الإقراض والديون، مشيراً إلى أن "البنوك تزيد من إقراضها لصناديق الائتمان الخاصة، لأن تلك القروض غالباً ما توفر عائدات أعلى من القروض التجارية العادية". أرباح البنوك واحتمالات الفقاعة يتزامن الحديث عن أخطار زيادة الإقراض عالي الأخطار والتساهل في ضمان جدية المقترضين، مع إشارة من رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) جيروم باول هذا الأسبوع إلى أنه مستعد لدعم خفض جديد لسعر الفائدة في اجتماع لجنة السوق المفتوحة نهاية الشهر الجاري، مبرراً بأن التقديرات المستقبلية تجعل احتمالات معدلات التضخم ليست بعيدة من المستهدف من البنك المركزي عند اثنين في المئة. إنما العامل الحاسم في زيادة احتمال خفض الفائدة الأميركية هو أن سوق العمل يتراجع بوضوح، فعلى رغم أن الأرقام الرسمية في شأن التوظيف وإعانات البطالة لم تصدر بسبب إغلاق الحكومة، إلا أن البيانات من المصادر الخاصة وأبحاث "الفيدرالي" ذاته تشير إلى توقف توسع سوق العمل، وإذا خفض البنك المركزي الفائدة نهاية هذا الشهر سيكون ذلك ثاني خفض على التوالي، إذ خفض سعر الفائدة الشهر الماضي للمرة الأولى منذ ديسمبر (كانون الأول) 2024 لتصبح عند 4 - 4.25 في المئة. ومن شأن خفض الفائدة مجدداً، ولو بنسبة ربع نقطة مئوية، أو أن تهبط نسبة الفائدة دون أربعة في المئة، أن يشجع توسع سوق الائتمان والاقراض، وسيضيف إلى الوضع الجيد للبنوك الكبرى التي أظهرت إفصاحاتها المالية قبل أيام زيادة في العائدات والأرباح فاقت توقعات الأسواق. والتقدير العام أن تستمر تلك الزيادة في عائدات وأرباح البنوك للربع المتبقي من هذا العام، وإلى العام المقبل 2026. وحققت البنوك الاستثمارية الثلاث الكبرى، "غولدمان ساكس" و"جيه بي مورغان" و"سيتي غروب"، زيادة في العائدات في الربع الأخير بنسبة 12 في المئة، بحسب بيانات الإفصاح المالي ربع السنوي الثلاثاء الماضي، إذ حقق مصرف "سيتي غروب" زيادة في العائدات بنسبة 18 في المئة عن الربع المقابل العام الماضي لتصل عائداته إلى 3.5 مليار دولار. وزادت عائدات "غولدمان ساكس" بنسبة 37 في المئة لتصل إلى 4.1 مليار دولار، بينما حقق بنك "جيه بي مورغان" زيادة في عائداته بنسبة 12 في المئة لتصل إلى 14.3 مليار دولار. وأرجع رؤساء البنوك ذلك إلى عودة النشاط لقطاع صفقات الاندماج والاستحواذ بقوة، مما زاد من عائدات تلك البنوك الاستثمارية التي ترتب تلك الصفقات وتدخل فيها أحياناً. ومع أن معظم المصرفيين حذروا من احتمال أن يكون القطاع المصرفي يتجه إلى تكوين فقاعة نتيجة الغليان في العائدات والأرباح، وقدر كبير منها من الإقراض والديون، إلا أن الأرقام لا تشير إلى زيادة كبيرة في حجم الديون المعدومة أو المشكوك في تحصيلها. لكن هناك دوماً أخطار أن تكون "العلل المخفية" المتعلقة بعدم جدارة المقترضين وتسهيل الإقراض بقصد العائدات والأرباح للبنوك تتراكم من دون إنذارات واضحة على السطح، خصوصاً أنه على رغم اعتبار انهيار "فيرست براندز غروب" و"ترايكولور هولدنغ" مؤشر مبكر على احتمالات الخطر، إلا أن الأسواق والقطاع المالي كله ما زال يعتقد أن هناك مرونة كافية تحول دون الانهيار. اندبندنت عربية
|