سيرياستيبس
في ظل تصاعد التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين وتنامي المخاوف من تباطؤ التوظيف الأميركي، أشعلت تصريحات رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول موجة صعود قوية في أسواق الذهب، إذ أشار باول إلى أن تباطؤ وتيرة التوظيف يمثل خطراً متزايداً على الاقتصاد الأميركي، في أقوى إشارة حتى الآن إلى أن البنك المركزي الأميركي قد يتجه إلى خفض أسعار الفائدة مرتين إضافيتين خلال العام الحالي، وهو ما حفز المستثمرين على الإقبال المكثف على الملاذات الآمنة.
وقفز سعر الذهب خلال التعاملات الفورية إلى 4131.89 دولار للأوقية (الأونصة) بارتفاع 0.6 في المئة، فيما ارتفعت العقود الأميركية الآجلة تسليم ديسمبر (كانون الأول) المقبل إلى 4187.50 دولار، بعد أن لامست أعلى مستوى لها عند 4179.48 دولار، وبذلك يكون المعدن الأصفر قد قفز بنحو 57 في المئة منذ بداية العام، متجاوزاً حاجز 4100 دولار للمرة الأولى في تاريخه.
وجاء هذا الارتفاع مدعوماً بعوامل عدة أبرزها الضبابية السياسية وتزايد التوقعات بخفض أسعار الفائدة الأميركية، إضافة إلى مشتريات قوية من البنوك المركزية وتدفقات متزايدة إلى صناديق الاستثمار المتداولة، وأسهمت تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية 100 في المئة على السلع الصينية في تعزيز الطلب على الذهب، مع تزايد القلق حيال مسار العلاقات التجارية بين القوتين الاقتصاديتين.
5 آلاف دولار في عام 2026 وفي المقابل تراجعت عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 أعوام إلى 4.04 في المئة، مما عزز جاذبية الأصول غير المدرة للعائد مثل الذهب.
وأوضح باول خلال كلمته اليوم الثلاثاء أمام "الجمعية الوطنية لاقتصادات الأعمال" أن أخطار التباطؤ في سوق العمل باتت تفوق أخطار التضخم، مشيراً إلى أن التعرفات الجمركية رفعت معدل التضخم المفضل لدى "الفيدرالي الأميركي" إلى 2.9 في المئة، لكنه أكد أن "الضغوط التضخمية الأوسع تبدو تحت السيطرة".
ويرى محللون في بنوك كبرى مثل "بنك أوف أميركا" و"سوسيتيه جنرال" أن الأسعار مرشحة لبلوغ مستوى 5 آلاف دولار للأوقية بحلول عام 2026، في ظل استمرار السياسة النقدية التيسيرية وازدياد وتيرة شراء الذهب من قبل البنوك المركزية، ولا سيما في آسيا والشرق الأوسط.
وعلى النهج نفسه توقع نائب رئيس شركة "زانر ميتالز" بيتر غرانت أن تدفع سياسات ترمب التجارية وتفاقم التوتر مع بكين المعدن النفيس إلى مستويات قياسية جديدة خلال العام المقبل، وفي غضون ذلك شهدت المعادن النفيسة الأخرى حركة متباينة، إذ ارتفعت الفضة إلى 53.60 دولار للأوقية قبل أن تتراجع إلى 50.81 دولار، فيما انخفض البلاتين 1.5 في المئة إلى 1621.50 دولار، والبلاديوم 0.7 في المئة إلى 1464.42 دولار.
دورة جديدة من الارتفاع الذهبي وفي تاريخ الأسواق المالية كان الذهب المستفيد الأكبر من دورات خفض أسعار الفائدة التي يتبعها "مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي"، فعندما تبدأ كُلف الاقتراض في التراجع يقل العائد الحقيقي على الأصول المالية الأخرى، فيتحول المستثمرون إلى المعدن النفيس كملاذ آمن يحافظ على القيمة، فمثلاً ارتفع سعر الذهب 32 في المئة خلال دورة الخفض التي أعقبت الأزمة المالية عام 2008، حينما خفض "الفيدرالي الأميركي" الفائدة إلى مستويات شبه صفرية لدعم الاقتصاد.
وتكرر المشهد عام 2020 خلال جائحة كورونا، إذ قفز الذهب بأكثر من 25 في المئة ليبلغ مستوى قياسياً عند 2070 دولاراً للأوقية، ويظهر التاريخ أن كل دورة خفض للفائدة تقترن عادة بزيادة في الطلب على الذهب، ليس من المستثمرين الأفراد وحسب، بل من البنوك المركزية أيضاً التي تعيد موازنة احتياطاتها بعيداً من الدولار الأميركي.
ومع تصاعد المؤشرات الراهنة على تباطؤ النمو يبدو أن دورة جديدة من الارتفاع الذهبي بدأت بالفعل، إذ يبدو أن تصريحات باول وضعت الذهب مجدداً في صدارة الملاذات الآمنة، بينما يواجه الاقتصاد الأميركي مزيجاً معقداً من التباطؤ في التوظيف وارتفاع التوتر التجاري مع الصين، وإذا ما واصل البنك الأميركي سياسته التيسيرية فقد يجد الذهب طريقه إلى مستويات غير مسبوقة، معززاً مكانته كأهم مقياس لثقة المستثمرين في استقرار الاقتصاد العالمي.
اندبندنت عربية
|