سورية الجميلة RSS خدمة   Last Update:08/10/2025 | SYR: 22:40 | 08/10/2025
الأرشيف اتصل بنا التحرير
TopBanner_OGE



خلطات كامبو


شاي كامبو


IBTF_12-18


Orient 2022

 ليس بحذف الأصفار تسترد الليرة السورية عافيتها
07/10/2025      



سيرياستيبس 

كتب مناف قومان 

يعمل مصرف سورية المركزي على طرح الليرة السورية الجديدة بعد حذف صفرين منها، حاكم المصرف عبد القادر حصرية ذكر الأمر في عدة لقاءات قائلاً: "تم حسمه بشكل نهائي" يقصد قرار عملية الاستبدال، وأشار إلى طرح العملة الجديدة تدريجياً بجانب القديمة، وأنها ستتمتع بمواصفات أمنية عالية وتقنيات مضادة للتزوير، وأن الكميات المطبوعة ستكون مدروسة لتلبية احتياجات السوق دون زيادة مفرطة في الكتلة النقدية، وشدد على أن العملية عبارة عن استبدال الأوراق الحالية بأخرى محسنة.

وفي محاولة لطمأنة الرأي العام، استبعد الحاكم أن تكون لتغيير العملة أي انعكاسات سلبية على قيمة العملة الوطنية، قائلاً إن هذه الخطوة إجراء فني وتنظيمي ضمن السياسة النقدية، وليس بزيادة السيولة. ومع ذلك خلف هذا الإجراء النقدي تكمن معادلة أعقد بكثير: هل يكفي حذف الأصفار كي يغيّر الواقع الاقتصادي؟ وهل نقف مع حاكم مصرف سورية في هذه الخطوة؟

هشاشة الاقتصاد السوري

عند التفكير في أي عملية استبدال لعملة ما أو حذف للأصفار، يتوجب النظر أولاً إلى أساسيات الاقتصاد الكلي. لا يزال الوضع في سورية هشّاً إلى درجة تجعل أي إصلاح نقدي شكلي محدودَ الأثر.

فمن دون وجود قاعدة إنتاجية متماسكة أو موارد مضمونة، يصبح الحديث عن حذف أصفار وتغيير للعملة مجرد تغيير في الشكل وليس الجوهر. تعاني سورية اليوم من فقدان أهم دفاعات العملة: الاحتياطيات الأجنبية، فالمصرف المركزي بالكاد يمتلك 200 مليون دولار نقداً أجنبياً. ولا داعي للتذكير بأن العملة سواء كانت قديمة أم جديدة بحاجة إلى غطاء نقدي يضمن الثقة ويمنع انهيارها. ويعد الانقسام الجغرافي والسياسي والعقوبات أحد أبرز المشاكل التي تفرض ظلالها على سورية، فالسيطرة على الموارد الاقتصادية ليست بيد الحكومة وحدها.

منطقة شمال شرقي الفرات، الغنية بالنفط والغاز والقمح والمياه، خارجة عن سلطة الحكومة السورية، أي أن العملة الجديدة ستدخل في نزاع على الاعتراف والاستخدام بين المناطق السورية المختلفة، ما قد يضاعف تعقيدات المشهد النقدي. أضف لذلك أن البلاد لا تزال في حالة بناء، ولمّا تنتهي بعد من المجلس التشريعي وإقرار كافة القوانين والمراسيم والتي تحتاج لوقت لتدارسها وإقرارها.

 

الأمر الآخر مرتبط بضعف النشاط الإنتاجي الذي كان يساهم بصادرات قاربت الـ12 مليار دولار في عام 2010، تليه السياحة بنحو ستة مليارات دولار، ثم تحويلات المغتربين بواقع ملياري دولار تقريباً. ومن دون عودة قطاعي الزراعة والصناعة والسياحة للعمل بكفاءة، فإن خزائن البنك المركزي ستبقى خاوية، وبالتالي ستبقى العملة المحلية عرجاء.

لكن ما لنا وما لهذه الأسباب طالما أن حاكم مصرف سورية ذكر أن القرار محسوم، يكفي أن يخرج ببيان صحافي يدلي فيه كيف ستتصدى العملة الجديدة لموجات التضخم والتلاعب بالأسعار وسعر الصرف؟ هل تشكلت لدى المركزي سياسة نقدية تحافظ على قيمة العملة الجديدة؟ تصريحات الحاكم تشي بأن الوضع النقدي جيد في المركزي.

توضّح التجارب العالمية أن حذف الأصفار أمر عادي، فتركيا نجحت في خطوتها عام 2005 بعدما نفذت إصلاحات اقتصادية عميقة، وبعد تلقي دعم من صندوق النقد الدولي، ومسار تفاوضي مع الاتحاد الأوروبي فتح لها أبواب الاستثمار والتجارة، أي أن الحذف لم يكن سبب النجاح بل نتيجة له. أما زيمبابوي، فقد حذفت أكثر من 25 صفراً من عملتها على مراحل بين 2006 و2009، لكن التضخم الجامح استمر حتى وصل إلى أرقام فلكية جعلت المواطن يحتاج إلى أكياس من النقود لشراء الخبز. وكانت النتيجة أن الناس هجروا العملة الوطنية تماماً واعتمدوا الدولار والران الجنوب أفريقي في تعاملاتهم اليومية.

في فنزويلا، المشهد لم يكن أفضل بين عامي 2008 و2021، حذفت الحكومة 14 صفراً على دفعات، لكن غياب الإصلاح الاقتصادي، واستمرار الاعتماد على النفط مصدراً شبه وحيد للدخل، والعقوبات الدولية، جعلت التضخم يعود بقوة. النتيجة أن الثقة بالبوليفار الفنزويلي انهارت، وأصبح المواطن يفضل الدولار أو العملات الرقمية في تعاملاته.

تدلل هذه التجارب بوضوح أن حذف الأصفار قد يكون ضرورياً لتبسيط العمليات المحاسبية، لكنه لا ينجح إلا إذا كان جزءاً من باقة إصلاحات شاملة. في غياب هذه الإصلاحات، يصبح التغيير مجرد تغيير في الشكل لا في الجوهر.

من بين التحديات المحتملة التي تواجه المشرّع الاقتصادي في سورية، تكاليف الطباعة والاستبدال التي لا تقل عن 200 مليون دولار. كما أن حذف الأصفار سيعني إعادة تسعير جميع العقود والديون والرواتب والمدخرات. وقد تفتح هذه العملية الإدارية الضخمة أبواباً للفوضى والمنازعات القانونية، خاصة في ظل غياب مؤسسات قوية قادرة على ضبط التحول. وتعاني العملة السورية الحالية من مشاكل في الجودة وسهولة التزوير، وقد يقلل استبدالها بعملة جديدة هذه المشكلة تقنياً، لكنه لا يوقفها ما لم تُعزز الرقابة والتكنولوجيا المصرفية.

الأمر الأخير، أن استبدال الليرة أو حذف الأصفار دون إصلاح اقتصادي حقيقي، قد يفهم المواطن في ذلك محاولة تجميلية لا أكثر، ما قد يؤدي إلى مزيد من فقدان الثقة بالعملة الوطنية، وربما إلى تسارع "الدولرة".

أثر استبدال الليرة السورية على المواطن العادي

المواطن السوري هو الطرف الأكثر تأثراً بهذه السياسات، عندما يذهب لشراء مستلزمات بيته يجد نفسه يتعامل بأرقام ضخمة: مليون ليرة مقابل مواد غذائية أساسية لا تكفي أسبوعين.

هذا يخلق ارتباكاً دائماً في الحسابات، ويجعل الأرقام تفقد معناها. لو جرى حذف صفرين مثلاً، وأصبح الدولار يعادل 100 ليرة بدلاً من عشرة آلاف ليرة، فقد يشعر المواطن ببعض الراحة النفسية في التعامل بأرقام مقبولة نوعاً ما. لكن من الناحية المعيشية لن يتغير شيء: راتب الموظف الذي يعادل اليوم 100 دولار سيبقى كذلك بعد الحذف. الأسعار ستتعدل تلقائياً، والقدرة الشرائية ستظل كما هي. الأثر الحقيقي الوحيد سيكون نفسياً، أن يرى المواطن نفسه يتعامل بعشرات أو مئات بدلاً من مئات الآلاف والملايين.

فعندما يدفع المواطن عشرة آلاف ليرة (ما يقرب من دولار واحد) لقاء خدمة يشعر وكأن المبلغ تافه، وأحياناً يدفع أكثر على أساس أنه يملك الكثير من المال ومبلغ خمسة آلاف ليرة مبلغ قليل، بينما هو في الواقع كبير إذا ما قورن بتركيا أو الأردن. يولّد هذا التضخم في الأرقام ارتباكاً في الحسابات ويزيد الضغط النفسي في إدارة شؤون الحياة اليومية، ويخلق حالة من الانفصال بين القيمة الاسمية والقيمة الحقيقية.

 

إضافة إلى ذلك، نوعية الورق النقدي المتداول رديئة، تالفة أو مزورة، ما يضعف الثقة أكثر. يجد المواطن نفسه، أو على الأقل أنا شخصياً، أجد نفسي محاصراً بين ورق لا قيمة له عملياً وصعوبة التكيّف مع أصفار متضخمة بعد العودة من المغترب، وهذه معاناة يومية تتجاوز الحسابات الاقتصادية النظرية. من الناحية العلمية - الاقتصادية، لا أرى أن الوقت مناسب لاستبدال العملة أو حذف الأصفار.

يحتاج الاقتصاد السوري أولاً إلى إعادة بناء البنية الإنتاجية، وتوحيد السياسات الاقتصادية بين مناطق النفوذ المختلفة، وتوفير احتياطيات كافية قبل التفكير في مثل هذه الخطوة. أي استبدال قبل هذه الشروط سيبقى سطحياً وربما مضرّاً. هذا تعلمناه في الكتب الاقتصادية. لكن من الناحية العاطفية والنفسية، والحق أقول إنني أجد نفسي مع فكرة الحذف والاستبدال. ليس لتقليل الأصفار المرهقة في التعاملات اليومية، بل أيضاً للخلاص من ورق نقدي فقد قيمته ورمزيته.

حمل ملايين الليرات في كيس لشراء حاجات أو دفع خدمات يخلق شعوراً بالإرهاق النفسي بالأخص لأولئك القادمين من الخارج، ويجعل الأفراد يتعاملون مع مبالغ ضخمة، وهو ما يزيد تآكل الإحساس بالقيمة الحقيقية للنقود. استبدال الليرة السورية أو حذف الأصفار ليس مجرد عملية تقنية، بل هو انعكاس لمدى قوة الاقتصاد واستقراره. في الظروف الراهنة، تبدو هذه الخطوة محفوفة بالمخاطر الاقتصادية وقد تزيد انعدام الثقة. لكن في الوقت نفسه، لا يمكن تجاهل الأثر النفسي والاجتماعي للعملة المتضخمة والأوراق النقدية البالية، التي تضع عبئاً إضافياً على المواطن السوري.

لن أقرر عن حاكم مصرف سورية، فالقرار محسوم بحسب ما قال، لكن لو كان الأمر لي لكنت تريثت قليلاً وعملت على إصلاحات نقدية واقتصادية شاملة، تنعش القاعدة الإنتاجية وتعمل على تعبئة الاحتياطي الأجنبي وتعيد السيطرة على كامل الأراضي السورية، وانتظرت استكمال العملية السياسية والاستقرار الأمني وجذب الاستثمارات الأجنبية. إلا أن الأمر ليس لي، لذا سأنتظر وأعيش هذه التجربة الفريدة من تاريخ سورية والتاريخ الاقتصادي.

العربي الجديد



طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال أرسل إلى صديق

 
 

سورس_كود



Baraka16


Orient 2022


معرض حلب


الصفحة الرئيسية
مال و مصارف
صنع في سورية
أسواق
أعمال واستثمار
زراعـة
سيارات
سياحة
معارض
نفط و طاقة
سوريا والعالم
محليات
مجتمع و ثـقافة
آراء ودراسات
رياضة
خدمات
عملات
بورصات
الطقس