سيرياستيبس :
شهد سوق دمشق للأوراق المالية تداولاً نشطاً خلال الفترة البسيطة التي عاد فيها للعمل -وإن لم تكن العودة بعد كاملة -بعد أن وضعت هيئة الأوراق المالية السورية بعض المحددات للتداول ورغم غياب بعض المصارف والشركات عن التداول لعدم تلبيتهم شروط التداول حتى الآن.
الخبير الاقتصادي والمصرفي
الدكتور إبراهيم نافع قوشجي رأى في حديثه أن ارتفاع قيمة التداول مع بقاء عدد الشركات ثابت لا يؤشر بالضرورة على ارتفاع القيمة السوقية لتلك الشركات بناء على كفاءة أدائها، وإنما هو أحد عوامل امتصاص سوق الأوراق المالية لكمية النقود التي يجب أن تمول الاستثمار الحقيقي.
وتابع قائلاً: “وبمعنى أوضح سياسة التمويل بالعجزوالكتلة النقدية الموجودة بالاقتصاد هي التي مع الاقتصاد المركزي المغلق و السبب الأساسي لارتفاع سوق العقارات والعملات وسوق الأوراق المالية”.
ولفت أستاذ الاقتصاد إلى أنه لم يتم مراعاة موضوع السحوبات لنواتج عمليات التداول وتسهيل سحبها من قبل المستثمرين، ما يعتبرأحد العقبات التي يتطلب حلها.
عقبة كبيرة
ورأى أن مشكلة السحوبات عقبة كبيرة وحلها إعادة الثقة للجهاز المصرفي، موضحاً :أن لكلّ نظام اقتصادي نظاماً نقدياً يُعبر عنه ويتكامل مع متطلباته.
ومن هنا، تبرزأهمية إعادة هيكلة النظام النقدي في سوريا، بالانتقال من نموذجٍ خدّم اقتصاداً مغلقاً ومركزياً واحتكارياً، إلى نظام نقدي عصري يدعم اقتصاداً حراً يعتمد على آلية السوق التنافسية.
ولفت قوشجي إلى أن النظام النقدي في سوريا يشمل كلاً من مصرف سوريا المركزي، والجهاز المصرفي، وسوق دمشق للأوراق المالية التي تُعد أداة محورية في تمويل الشركات المساهمة الناشئة، منوهاً بما تقدّمه من مزايا جوهرية، أبرزها: تسهيل التقاء المدخرين والمستثمرين ضمن بيئة تداول حر، ما يُعزز توجيه المدخرات إلى المشاريع المحتاجة للتمويل في توقيت مناسب وفقاً لاحتياجاتها الفعلية، خفض تكلفة الحصول على التمويل بفضل الشفافية في نشرالمعلومات ومتابعة أداء الشركات، وتحديد السعرالعادل للأوراق المالية من خلال آلية العرض والطلب، ما يعكس القيمة الحقيقية للأوراق ضمن بيئة سوقية منظمة. إضافة إلى تحقيق الكفاءة في تخصيص الموارد من خلال تمكين الاستثمارات الكبرى واستيعابها للمدخرات، وتوفيرسيولة مالية تساعد على تحديث وسائل الإنتاج وتبنّي التقنية الحديثة، واعتبارالسوق مؤشراً لوضع الاقتصاد الكلي من خلال قدرته على استقطاب الاستثمارات وتحقيق نمو اقتصادي مستدام وفعّال.
وتابع قائلاً: غير أنّ سوق دمشق للأوراق المالية، للأسف، لم تُمارس هذا الدور الحيوي بسبب نشأتها في ظلّ نظام سياسي بائد، حيث جاءت ولادتها اصطناعية، وأغلب الشركات المدرجة فيها هي مصارف، في ظلّ غياب شبه تام للقطاعين الصناعي والزراعي.
كما أن اعتمادها على السعر المرجعي وعدد محدود من الأسهم أضفى عليها طابعاً احتكارياً يعكس طبيعة الاقتصاد الذي نشأت ضمنه.
متطلبات إصلاح السوق
ورأى أن إصلاح السوق يتطلب التحوّل إلى سوق حرة شاملة تشمل سوق الأوراق المالية وسوق العملات بما أن مصرف سورية المركزي تبنى سياسة “التعويم المُدار” لسعر صرف الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية، والأهم تفعيل سوق المشتقات المالية لتمويل إعادة الإعمار.
ويجب أن تُحقق السوق خصائص نظيراتها العربية والعالمية في المحاور أولها: إيجاد سوق مستمرة للأدوات المالية تتجلى فيه إزالة المعوّقات أمام عمليات البيع والشراء، وتقليص الفجوة بين سعري العرض والطلب، وتنفيذ الصفقات بدقة وسرعة، وخفض التقلّبات السعرية.
لافتاً إلى إن ضخامة السوق وعدد المتعاملين وأحجام الشركات تلعب دوراً جوهرياً في تعزيز هذا الاستمرار.
ومن المحاوروفقاً للأستاذ الجامعي تحديد السعرالأمثل، موضحاً أنه يتحدد من خلال آليات السوق-العرض والطلب-مع مراعاة الانتقادات المرتبطة بتحكم المستثمرين الكبار والمضاربات، حيث تؤثر في السعرعلى المدى القصير، رغم أن الأسعار تميل إلى الاقتراب من قيمها الاستثمارية الحقيقية على المدى الطويل، وتمويل القطاعات الاقتصادية إذ توفرالأسواق مصادرتمويل مستدامة من خلال طرح الأسهم والسندات، سواءً عبر المالكين الحاليين أو من خلال الاكتتاب العام، ما يسمح بتداول الملكية بحرية وتوفير السيولة اللازمة للنمو.
ونوه بأهمية مؤشرات الأسعار كمرآة اقتصادية تعكس واقع الشركات وظروف الاقتصاد، نظراً لاعتمادها على الشفافية في نشر بيانات الإنتاج والمبيعات والربحية، ما يُمكّن المستثمرين من استشراف المستقبل.
وختم بالقول: إن إصلاح النظام النقدي وتفعيل سوق دمشق للأوراق المالية يشكلان ركيزتين أساسيتين للانتقال من اقتصاد احتكاري راكد إلى بيئة استثمارية ديناميكية قادرة على قيادة التنمية وإعادة الإعمار.
إن تبنّي الشفافية، والمنافسة، وسياسات نقدية مرنة ليس خياراً فحسب، بل ضرورة تاريخية في مسار استعادة التوازن الاقتصادي واستنهاض الطاقات الوطنية نحو مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً.
الثورة - محمد راكان مصطفى