سيرياستيبس بقلم: د. محمد الجبالي – إستشاري مصرفي في تطور يُعد بالغ الأهمية للقطاع المالي السوري، يتوقع أن تُعاد ربط
المصارف السورية بنظام SWIFT العالمي للمدفوعات الدولية خلال الأسابيع
القليلة المقبلة، بعد أكثر من عقد من العزلة الناجمة عن العقوبات
الاقتصادية الغربية. هذه الخطوة تمثل نقطة تحول جوهرية في مسار الانفتاح
الاقتصادي وإعادة الاندماج المالي لسوريا في النظام المصرفي العالمي.
الخلفية: العزل المالي وعواقبه :
منذ عام 2012، خضعت المصارف السورية الكبرى لعقوبات دولية أدت إلى فصلها
الكامل عن شبكة SWIFT، والتي تُعد البنية التحتية الأهم في النظام المالي
العالمي لتسهيل وتسوية المدفوعات العابرة للحدود. هذا العزل تسبب في شلل
شبه كامل للمدفوعات الدولية، وأجبر القطاعات التجارية على اللجوء إلى قنوات
بديلة غير رسمية، غالبًا ما تفتقر إلى الشفافية والكفاءة، مما زاد من كلفة
المعاملات وأضعف الثقة بالقطاع المالي. ما الذي تعنيه العودة إلى SWIFT؟ :
إعادة ربط سوريا بشبكة SWIFT لا تُعد مجرد تقنية ، بل هي إشارة سياسية
واقتصادية ذات دلالات عميقة: 1. تعزيز الشفافية المصرفية: يوفر SWIFT إطارًا موحدًا وآمنًا للتواصل بين
المصارف، ما يعزز الامتثال لمعايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب
(AML/CFT). 2. خفض كلفة التحويلات المالية: سيؤدي استئناف الوصول المباشر إلى البنية
التحتية العالمية إلى تقليص الكلف العالية المرتبطة بالقنوات الوسيطة.
3. تحفيز التبادل التجاري والاستثماري: سيكون للقطاع التجاري السوري
القدرة مجددًا على فتح الاعتمادات المستندية وإجراء التحويلات المصرفية
الرسمية، مما يشجع على عودة المستثمرين والتجار الإقليميين والدوليين.
4. تيسير التحويلات من الخارج : ستُتاح للمغتربين السوريين قنوات آمنة
ورسمية لإرسال الأموال، بما يُسهم في دعم احتياطيات البلاد من العملات
الأجنبية.
التحديات المتوقعة :
رغم الإيجابية التي تحملها هذه العودة، تبقى هناك تحديات تقنية وتشغيلية
ينبغي التعامل معها بواقعية: • ضرورة تحديث البنية التحتية الإلكترونية للمصارف المحلية لتتوافق مع
معايير SWIFT الجديدة (ISO 20022). • الحاجة إلى تدريب الكوادر المصرفية وتأهيلها لإدارة العمليات عبر المنصة
بما يتماشى مع أحدث بروتوكولات الأمان. • مراقبة دقيقة من الجهات التنظيمية الدولية لضمان عدم استخدام النظام في
تجاوز العقوبات الجزئية المتبقية. النظرة المستقبلية :
العودة إلى نظام SWIFT تفتح الباب أمام إعادة هيكلة شاملة للقطاع المصرفي
السوري ، وتوفر فرصة حقيقية لاستعادة الثقة، وجذب التحويلات والاستثمارات،
وإنشاء شراكات مصرفية مع مؤسسات مالية إقليمية ودولية. ومن شأن هذه الخطوة –
إن أُديرت بحكمة – أن تكون مقدّمة لإصلاحات مالية أعمق، تشمل تحديث
القوانين الناظمة للقطاع المصرفي، وتعزيز استقلالية البنك المركزي،
والاندماج في أسواق رأس المال الدولية.
إنّ استعادة سوريا لقدرتها على التواصل المالي الدولي عبر SWIFT لا تمثل
فقط إنهاءً لحقبة من العزلة، بل هي بداية جديدة لقطاع مصرفي أكثر انفتاحًا
ومرونة ، وقادر على أن يلعب دورًا فاعلًا في دعم التعافي الاقتصادي للبلاد.
والرهان الآن على صانعي القرار في القطاع المصرفي السوري أن يحسنوا
استثمار هذه الفرصة التاريخية .
|