سورية الجميلة RSS خدمة   Last Update:02/11/2025 | SYR: 01:46 | 02/11/2025
الأرشيف اتصل بنا التحرير
TopBanner_OGE

 سورية تستعد لمحاكمات علنية في أحداث الساحل
02/11/2025      


 icon

سيرياستيبس :

تستعد سورية خلال الأسابيع المقبلة لإطلاق محاكمات علنية بحق المتورطين في أحداث الساحل السوري، في خطوة وصفتها الحكومة بأنها "تاريخية" نحو ترسيخ مبدأ العدالة وعدم الإفلات من العقاب، بينما يعتبرها كثيرون اختباراً لمدى استقلال القضاء السوري وقدرته على التعامل مع ملفات حساسة تمسّ جميع المكونات الاجتماعية. وقال وزير العدل مظهر الويس، في حديث لقناة المشهد الأربعاء الماضي، إن "المحاكمات ستُعقد علناً قريباً، وستكون وسائل الإعلام حاضرة لمتابعتها"، مشدداً على أن "الغاية هي أن يرى السوريون بأعينهم أنه لن يكون هناك استثناءات، لا للفلول ولا لمن ارتكب انتهاكات بحق المدنيين في الساحل". وأضاف الويس أن "الدولة اتخذت إجراءات حازمة خلال الأشهر الأخيرة ضد كل المحرّضين طائفياً، كما أوقفت ملايين الحسابات الوهمية التي نشرت الشائعات وساهمت في التحريض على الفتنة"، في إشارة إلى حملات تضليل واسعة شهدتها منصات التواصل الاجتماعي عقب أحداث الساحل مطلع مارس/آذار الماضي.

واندلعت أحداث الساحل السوري في السادس من مارس الماضي بعد اشتباكات في ريف اللاذقية بين مجموعات مسلّحة من فلول النظام السابق وعناصر من الأمن العام، على خلفية عملية مداهمة لاعتقال قيادي سابق متهم بتهريب السلاح. وتحوّلت المواجهات إلى أعمال عنف واسعة النطاق ذات طابع طائفي، طاولت قرى مدنية وأوقعت مئات القتلى والجرحى من السكان المحليين.

توقيف المئات جراء أحداث الساحل

وعقب أحداث الساحل السوري، أصدر الرئيس أحمد الشرع مرسوماً بتشكيل لجنة وطنية مستقلة لتقصي الحقائق، برئاسة القاضي ياسر الفرحان، الذي أعلن لاحقاً إحالة 298 متهماً بالاعتداءات على المدنيين و265 متهماً بالاعتداءات على عناصر الأمن العام، على القضاء، مؤكداً أن جميع الأدلة والشهادات جُمعت وفق المعايير القانونية.

أمجد الغريب: العدالة لا تكون حقيقية إلا إذا طُبقت على الجميع من دون استثناء


وفي محافظة السويداء، شكّلت الحكومة لجنة تحقيق خاصة عقب الاضطرابات التي شهدتها المدينة خلال الصيف الماضي، إثر احتجاجات شعبية تطورت إلى مواجهات مسلّحة بين متظاهرين وأجهزة الأمن. وأوضح الويس أن اللجنة "تضم ممثلين عن وزارة العدل وتعمل بالتنسيق مع الجهات الأمنية"، وقد أوقفت عدداً من المشتبه فيهم، وبدأت بجمع الأدلة والاستماع إلى شهادات المتضررين من جميع المكونات الاجتماعية في المحافظة. وأكد أن نتائج عمل اللجنة ستُعلن قريباً، مشدداً على أن "كل من تسبّب بالأذى أو انتهك حقوق السوريين سيُحاسب"، وأن الحكومة تسعى لتطبيق العدالة "بصورة متوازنة لا تستثني أحداً".

ورغم الترحيب بالإعلان عن المحاكمات العلنية بشأن أحداث الساحل، لا تزال الشكوك تحيط بقدرة الحكومة السورية على تنفيذ الأحكام، وخصوصاً إن شملت عناصر عسكرية أو قادة فصائل مسلحة لا تزال تملك نفوذاً على الأرض. ووصف المحامي السوري أمجد الغريب القرار بأنه "إيجابي ويفتح باباً جديداً للعدالة في سورية"، لكنه شدد على ضرورة ضمان مشاركة ذوي الضحايا والشهود في مسار التقاضي. وقال الغريب، في حديث لـ"العربي الجديد": "الخطوة مهمة جداً، لكنها ستبقى ناقصة إذا لم يُمنح الشهود والمتضررون الأمان الكامل، وخصوصاً في القضايا التي تمس عناصر من وزارتي الدفاع والداخلية". وأضاف أن "العدالة لا تكون حقيقية إلا إذا طُبقت على الجميع من دون استثناء، وأُتيح للرأي العام مراقبة سيرها بحرية".

 

تشكيك في جدية الحكومة بتطبيق العدالة

في المقابل، شككت ميس جهاد فارس، شقيقة أحد ضحايا أحداث الساحل السوري، في جدّية الحكومة في تطبيق العدالة. وقالت في تصريح لـ"العربي الجديد": "أنا متأكدة من جدية الحكومة في محاسبة بعض الفصائل والضباط، لكن ليس وفاءً للدماء السورية… بل محاولة لإنقاذ ما تبقّى من وجه الحكومة السورية أمام الناس". وأضافت: "أعتقد أن الحكومة السورية تريد فعلاً التخلص من سجل الانتهاكات وفتح صفحة جديدة، لكن الحقيقة أنها عاجزة فعلياً عن ضبط فصائلها، وبالتالي غير قادرة على تنفيذ أي حكم عدائي ضدهم". وتابعت: "المحاكمة العلنية لا تعني التنفيذ العلني… نحن نريد العدالة الحقيقية، لا مجرد مشهد إعلامي يُقال فيه إن الدولة قامت بواجبها".

وتدرك الحكومة السورية أن الشفافية في هذه المحاكمات ستكون امتحاناً لصدقيتها أمام الداخل والخارج، وخصوصاً في ظل الدعوات الحقوقية لمراقبة سيرها عبر منظمات محلية ودولية. ورأى المحامي السوري منذر غدير أن فتح القاعات أمام الكاميرات قد يمنح بعض المصداقية للسلطة القضائية، لكنه في الوقت نفسه يفرض التزاماً كبيراً، أي إن نتائج الأحكام يجب أن تكون قابلة للتنفيذ وألا تتوقف عند مستوى الرمزية. وأكد غدير، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المحاكمة العلنية لا تكتسب قيمتها من الحضور الإعلامي فقط، بل من استقلالية القضاة ومن الجرأة في تنفيذ الأحكام". وأضاف: "إن لم تُنفذ الأحكام على الجناة الفعليين، فإن العلنية ستتحول إلى عرضٍ تجميلي لا أكثر".

منذر غدير: المحاكمة العلنية تكتسب قيمتها من استقلالية القضاة والجرأة في تنفيذ الأحكام


وفي الساحل السوري، يترقب الأهالي بقلق واهتمام مجريات المحاكمات المرتقبة. وقال مهيار بدرة، وهو من أهالي مدينة جبلة في اللاذقية وأحد الفاعلين في مبادرات السلم الأهلي، لـ"العربي الجديد"، إن قرار وزارة العدل بث المحاكمات للمتورطين في أحداث الساحل خطوة إيجابية جداً ضمن الشفافية وإعادة الثقة التي تسعى الحكومة لبنائها. واستدرك قائلاً: "لكن يعتمد نجاح القرار أو هذه الخطوة على المعطيات التي يمكن أن نراها من خلال النتائج". وأشار إلى أن سقف التوقعات منخفض من حيث قدرة الحكومة على محاكمة قياديين وضباط كبار لأنهم ما زالوا على رأس عملهم، بينما يوجد في السجون الكثير من العناصر الصغيرة التي صوّرت الفيديوهات المعروفة بفيديوهات الانتهاكات.

وأضاف: "أعتقد أن الحكومة الحالية تحاول فعل الكثير للتخلص من هذا السجل، لكنها ضمن ما أستطيع تسميته فن الممكن". وختم قائلاً: "أعتقد أن قرار وزارة العدل لن يغير أي شيء على الأرض، لكنه يساعد الحكومة بالترويج خارجياً على أنه إنهاء لهذا الملف الذي بدأ بالاعتراف بالانتهاكات وبعدها وضع مرتكبيها في السجون واليوم محاكمتهم، والبعض يرى فيها فرصة لإنصاف الضحايا وطيّ صفحة الثأر، فيما يخشى آخرون أن تُستغل سياسياً أو أن تقتصر على المتورطين الصغار دون المساس بالقيادات".
بدورها رأت ريم الإمام، من ريف اللاذقية، وهي ممن شهدوا أحداث الساحل السوري، أن "المطلوب ليس محاسبة من أطلق النار أو نهب فقط، بل من أصدر الأوامر وساهم في إشعال الفتنة الطائفية"، مضيفة لـ"العربي الجديد"، أن "سورية لن تتعافى إلا حين يشعر كل مواطن بأن القانون يحميه، لا يميّزه".

العربي الجديد


طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال أرسل إلى صديق