بلغ سعر الدولار الواحد أول من أمس الأربعاء نحو 101 ألف تومان
سيرياستيبس : تكمن الخاصية الأساسية لهذه
الآلية في أن العقوبات الملغاة من قبل مجلس الأمن (الصادرة بين 2006 و2010)
يمكن أن تعاد تلقائياً، ما لم يصوت مجلس الأمن خلال 30 يوماً على قرار
يستمر في تعليقها.
بعد
أشهر من التكهنات الإعلامية وتحذيرات المحللين والنقاشات الحادة في
الأوساط الدولية، قامت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، الدول الأوروبية الثلاث
الموقعة على الاتفاق النووي، بتفعيل "آلية الزناد" رسمياً.
هذه الآلية، التي وردت في نص الاتفاق كأداة للرقابة والعقاب، كانت دائماً تهدد بعقد العلاقات بين إيران والمجتمع الدولي.
وبموجب هذا الإجراء، إذا لم يتم التوصل خلال الـ30 يوماً
المقبلة إلى اتفاق جديد ومقبول في شأن الملف النووي الإيراني، ستعاد جميع
العقوبات التي علقت من قبل مجلس الأمن تلقائياً من دون الحاجة إلى تصويت
جديد، مع الإشارة إلى أن القضية لم تعد مقتصرة على البرنامج النووي وحسب،
بل شملت أيضاً ملف الفصائل المسلحة وتطوير الصواريخ الإيرانية.
ويعني هذا القرار عملياً العودة إلى مرحلة أكثر خطورة مقارنة
بما قبل اتفاق 2015، إذ تتعرض إيران مرة أخرى لعزلة اقتصادية وسياسية
شديدة، فيما يمكن أن تمارس الضغوط الدولية بصورة أوسع وأكثر تنسيقاً من ذي
قبل.
مع ذلك، وبعيداً من حسابات القوة والمناورات الدبلوماسية، فإن
التداعيات الحقيقية لهذا التطور ستقع على كاهل الإيرانيين، الذين يتحملون
منذ أعوام العبء الأكبر للمغامرات الأيديولوجية والسياسات المتوترة للنظام
الإيراني في المنطقة والعالم.
وقد يشكل تفعيل هذه الآلية بداية مرحلة ما بعد الأزمة، تتضاعف
فيها الضغوط الاقتصادية، وتقل فرص الوصول إلى الأسواق العالمية، وتنخفض
قيمة العملة الوطنية، وتتزايد القيود على الحياة اليومية، مما يزيد من
صعوبة معيشة ملايين الإيرانيين مقارنة بالماضي.
"آلية الزناد" مصطلح إعلامي يستخدم للإشارة إلى آلية حل
النزاعات في الاتفاق النووي، التي نصت عليها المادتان 36 و37 من الاتفاق
(خطة العمل الشاملة المشتركة)، وبموجب هذه الآلية، إذا ما أبلغ أحد الأطراف
عن انتهاك جسيم من قبل إيران، ولم يحل النزاع عبر الحوار في اللجنة
المشتركة أو الجهات العليا، يحال الملف إلى مجلس الأمن التابع للأمم
المتحدة.
وتكمن الخاصية الأساسية لهذه الآلية في أن العقوبات الملغاة
من قبل مجلس الأمن (الصادرة بين 2006 و2010) يمكن أن تعاد تلقائياً، ما لم
يصوت مجلس الأمن خلال 30 يوماً على قرار يستمر في تعليقها.
وبما أن هذه العملية تعتمد على آلية "الفيتو العكسي"، فإن حتى أحد الأعضاء الدائمين لا يستطيع منع إعادة العقوبات.
وأهم تداعيات تفعيل هذه الآلية تتمثل في إعادة إيران تحت
الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وإحياء العقوبات الشاملة على
الأسلحة، والمالية، والبرنامج الصواريخي والتنقل، وهي عقوبات ملزمة لجميع
الدول بما فيها الصين وروسيا، مما يزيد عملياً من عزلة إيران في النظام
الدولي.
ومن الناحية الاقتصادية، فإن الصدمة الناتجة من إعادة
العقوبات ستؤدي إلى انخفاض أكبر في قيمة العملة، وارتفاع معدلات التضخم
والبطالة والفقر، وهو أثر بدأ يلمسه الإيرانيون بالفعل في الأيام الأخيرة.
رد فعل الأسواق المالية في إيران تجاه تفعيل "آلية الزناد"
أمس الخميس قبل ساعات قليلة من الإعلان الرسمي عن تفعيل آلية الزناد، وبينما كانت الأخبار لا تزال مجرد إشاعات وتكهنات، شهدت الأسواق الإيرانية تحركات سريعة، إذ ارتفعت أسعار الذهب والعملات فجأة.
وأفادت وسائل الإعلام المحلية الإيرانية بأن سعر الغرام
الواحد من الذهب عيار (18) وصل إلى8 ملايين و427 ألف تومان (200 دولار)،
ووصفت ذلك بأنه رقم قياسي وتاريخي، وفي الوقت نفسه بلغ سعر الدولار الواحد
أول من أمس الأربعاء نحو101 آلاف تومان (2.4 دولار)
، واستمر في الارتفاع اليوم الجمعة على رغم عطلة السوق الرسمية، مقترباً من 102 آلاف تومان (2.43 دولار)
.
وفي هذا السياق، حذر مكتب الشؤون الدولية لغرفة تجارة إيران
في تقرير تحليلي حديث من أن أكثر السيناريوهات إثارة للقلق جراء تفعيل
"آلية الزناد" يتمثل في دخول الاقتصاد الإيراني في أزمة عميقة ومتعددة
الأبعاد.
وبحسب هذا التقييم، قد يصل سعر الدولار الواحد إلى نحو 165 ألف تومان، ويتجاوز معدل التضخم 90
في المئة، فيما يرتفع معدل البطالة إلى 14 في المئة، وأما النمو
الاقتصادي، فيتوقع أن ينخفض إلى سالب ثلاثة في المئة، ما يشير إلى ركود أشد
من الأعوام السابقة، فيما قد ينخفض إجمال قيمة سوق الأسهم إلى نحو 65
مليار دولار.
وعلى رغم محاولات وسائل الإعلام الرسمية تصوير هذا التقرير
على أنه "غير واقعي" أو فاقد للصدقية، فإن مجرد صدور هذه التقديرات يعكس
عمق قلق الخبراء والناشطين الاقتصاديين.
وحتى إذا تم التشكيك في صحة التقرير، فإن الحقيقة واضحة، وهي
أنه إذا ما تم تفعيل آلية الزناد قد يُواجه الاقتصاد الإيراني بطيف واسع من
التداعيات المدمرة، ليس وحسب على المؤشرات الاقتصادية الكبرى، بل أيضاً
على حياة المواطنين اليومية، إذ بدأت هذه الآثار تظهر بالفعل في الحياة
الفردية والاجتماعية للإيرانيين.
في الوقت الحالي، يتابع الإيرانيون من كل الأعمار أخبار
التطورات الدولية المتعلقة ببلادهم، بينما لا يغيب عن بالهم القلق من
تأثيرات الأزمات المقبلة على معيشتهم اليومية، ويعبر بعض من أنهكهم الضغط
المستمر عن إحباطهم بالقول إنه "فوق السواد لا لون هناك".
حسرة الإيرانيين على حياة عادية
شاب إيراني يبلغ من العمر 31 سنة من أصفهان، أجاب عن سؤال حول
تأثير تفعيل "آلية الزناد" وعودة العقوبات الدولية على حياته الشخصية
والعائلية، قائلاً لـ"اندبندنت فارسية" إنهم "أخبروني، ما الفرق بين ما
سيحدث وما حدث بالفعل في حياتنا؟ نحن اليوم نحني ظهورنا تحت وطأة الضغوط
والفقر والتضخم".
بالنسبة إلى شعب لا يستطيع حتى تغطية كلف الدواء والعلاج في أوقات المرض، فإن تفعيل آلية الزناد أو أي شيء آخر لن يحدث فرقاً يذكر.
وأضاف هذا الشاب الذي بدا غاضباً من الوضع القائم قائلاً
"أعلم أن قول هذه الجملة لن يغير شيئاً وقد يبدو قولي هذا عاماً، لكن
الحقيقة أنني، وليس أنا وحسب، بل كل من حولي، قد تعبنا من هذه الظروف حتى
أصبحنا بلا إحساس".
من جانب آخر، تحكي ربة منزل تقيم في حي "أمير آباد" في
العاصمة طهران عن أن ليلة أمس، بينما كانت تشاهد مع زوجها برامج تلفزيونية
تتناول تفعيل "آلية الزناد" وتداعياتها، ولم يلتفتا إلى ابنتهما البالغة من
العمر 12 سنة، لاحظا أنها(أي ابنتهما) كانت تبحث على هاتفها عن عبارة
"تفعيل آلية الزناد" لتعرف ما سيحدث.
تقول هذه السيدة "عندما طلبت من ابنتي ألا تقلق وألا تتابع مثل هذه الأخبار، واجهتني بسؤال، هل ستندلع الحرب مرة أخرى؟".
وتوضح أن ابنتها شعرت بخوف شديد وفقدت توازنها النفسي خلال
الحرب الأخيرة مع إسرائيل، وتضيف أن حياة الناس تتأثر بشدة بالتوترات
الدولية، وأن الخوف من تجدد الحرب، إلى جانب الغلاء والفقر والبطالة، يلقون
بظلالهم على كل شيء، قائلة "تقريباً كل الأعمال التجارية فقدت نشاطها، ولا
يرى أحد مستقبلاً واضحاً".
وتروي أيضاً من خلال ملاحظاتها الشخصية "منذ مدة أطالع الشارع
والجمعيات التي يتجمع فيها الناس، وأرى نادراً من يضحك بصوت عال، هذا دليل
واضح على مجتمع مكتئب ويائس ومقهور".
وينقل صاحب متجر في أحد المجمعات التجارية بوسط العاصمة
طهران، كان مشغولاً لدرجة لا تسمح له بالراحة قبل بضعة أعوام، أنه "منذ أن
أصبح موضوع آلية الزناد جدياً، تراجع الإقبال على الشراء، فمعظم الناس لا
يملكون المال، ومن لديهم بعض المدخرات يشترون الذهب والعملات"، مضيفاً أن
"السوق مغلقة تماماً".
وقال معلم متقاعد لـ"اندبندنت فارسية"، حول توقعاته في شأن
عودة عقوبات الأمم المتحدة على إيران، مختصراً الوضع في جملة واحدة "اللهم
أنقذنا، فقط".
وفي السياق ذاته، يؤكد طالب في السنة الأخيرة بكلية الهندسة
في جامعة طهران أنه وأقرانه لا يفكرون سوى في مغادرة البلاد، قائلاً إنه
"قد يصعب تصديق ذلك، لكن معظم الناس يعيشون في حال من الارتباك، ولا يخطط
أحد لأي شيء على المدى الطويل"، ويصف هذا الطالب الاكتئاب الجماعي
للإيرانيين بأنه أخطر من أي عقوبات خارجية.
هذه الروايات وغيرها ترسم صورة واضحة عن المجتمع الإيراني
اليوم، مجتمع ينهكه ضغط الأزمات الدولية وسوء الإدارة الداخلية والأزمات
الاقتصادية، حتى إن بعض المقربين من السلطة يعترفون بذلك، ومنهم إبراهيم
أصغر زاده، عضو ما يعرف بجبهة الإصلاح، الذي وصف وضع دخل الإيرانيين بأنه
كارثة، مشيراً إلى أن 48 في المئة من الإيرانيين مصروفاتهم تفوق دخولهم،
و42 في المئة ينفقون كل ما يكسبونه، ما يعني أن 90 في المئة من الشعب
يعيشون في حال حرجة، ولا يستطيع سوى 10 في المئة الادخار، هؤلاء المواطنون
لم يختاروا البرنامج النووي ولا تطوير الصواريخ ولا تعزيز الفصائل المسلحة،
ومع ذلك يتحملون صعوبات كبيرة لمجرد أن يعيشوا حياة عادية.
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"
|