سورية الجميلة RSS خدمة   Last Update:29/07/2025 | SYR: 01:24 | 29/07/2025
الأرشيف اتصل بنا التحرير
TopBanner_OGE

 سورية على حافة المجاعة...
لم يعد الفقر مسألة اقتصادية فحسب، بل أصبح ظاهرة وجودية تُهدد البقاء.
29/07/2025      



سيرياستيبس :

بعد أكثر من 14 عاماً من الحرب والانهيار السياسي والاقتصادي والتدهور الاجتماعي، تقف سورية اليوم على شفا كارثة إنسانية غير مسبوقة، وسط تحذيرات متكررة من الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية.

فقد جاء بيان المنسق المقيم للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سورية، السيد آدم عبد المولى بتاريخ 25/7/2025، بشأن تمديد أولويات الاستجابة الإنسانية لعام 2025 بمثابة ناقوس خطر جديد، يسلط الضوء على حجم المأساة التي يعاني منها السوريون، ليس من حيث الحاجة الملحة للمساعدات فقط، بل من حيث تآكل أسس الحياة الكريمة وغياب أي أفق اقتصادي مستدام.

10,3 ملايين إنسان بحاجة للمساعدة... وأغلبهم مهدد بالجوع

تشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 10,3 ملايين شخص داخل سورية بحاجة ماسة للمساعدة الإنسانية، بينما تُصنف أوضاع نحو8,2 ملايين شخص على أنها من أشد مستويات الشدة الإنسانية، أي ضمن الدرجة الرابعة أو الخامسة (كارثية/طارئة).

ففي البيان الصحفي، قال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا» إن «هذا النداء المعدل يستند إلى أولويات الاستجابة الإنسانية الحالية، مع التركيز على المناطق التي تواجه أشد الظروف قسوة، مضيفاً: إنه يستهدف المواقع المصنفة ضمن مستويات الخطورة الرابع والخامس، مع تحديد 2,07 مليار دولار لتلبية الاحتياجات العاجلة لنحو 8,2 ملايين شخص».

في هذه المناطق، يواجه السكان نقصاً حاداً في: الغذاء- المياه- الرعاية الصحية- وسبل العيش الأساسية.

هذه المؤشرات تقترب من تعريف المجاعة وفق معايير الأمن الغذائي العالمي.

نقص التمويل يضاعف الكارثة

بحسب البيان فمن أصل 3,19 مليار دولار تطلبها الأمم المتحدة لتمويل خطة الاستجابة الإنسانية في 2025، لم يُؤمّن سوى 11٪ فقط حتى الآن. وحتى خطة عام 2024 لم تُغطّ بالكامل، حيث تلقت نحو 36,6٪ فقط من احتياجاتها.

هذا التراجع الحاد في التمويل يُنذر بانهيار القدرة على الاستجابة لحالات الطوارئ، ما يترك ملايين السوريين عرضة للجوع، التشرد، والموت البطيء.

الفقر الشامل... أكثر من مجرد إحصائية

لم يعد الفقر في سورية مسألة اقتصادية فحسب، بل أصبح ظاهرة وجودية تُهدد البقاء.

تشير التقديرات إلى أن أكثر من 90٪ من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، والكثير منهم باتوا غير قادرين على توفير أبسط مقومات الحياة: الخبز- الدواء- الوقود- أو حتى مياه الشرب.

ففي المناطق الريفية كما الحضرية، انهارت شبكات الخدمات والبنى التحتية، وغياب فرص العمل دفع شرائح واسعة من المجتمع إلى التسول أو الهجرة القسرية.

الاستجابة الإغاثية لم تعد كافية... الحاجة إلى حلول جذرية

على الرغم من أهمية المساعدات الإنسانية الدولية، فإنها لا تمثل أكثر من مسكّن مؤقت لأزمة متجذرة في السياسة والاقتصاد.

فالحل الحقيقي يكمن في الانتقال من الاستجابة الطارئة إلى التنمية المستدامة، بدءاً من:

  • تحقيق استقرار سياسي وأمني حقيقي، يُنهي الصراع المستمر ويفتح الباب لإعادة الإعمار والتنمية.
  • إعادة بناء الاقتصاد الوطني على أسس إنتاجية، من خلال تشجيع الاستثمار (العام والخاص) في الزراعة،
  • الصناعات الصغيرة والمتوسطة، ومشاريع البنية التحتية.
  • دعم مبادرات سبل العيش المستدامة، لتوفير فرص العمل وتوليد دخل محلي.
  • تحفيز مشاركة المجتمع المدني والقطاع الخاص في إعادة تأهيل الاقتصاد المحلي وتنشيط الإنتاج.
  • مراجعة السياسات الاقتصادية بما يضمن العدالة في التوزيع وتخفيف الأعباء عن الطبقات الأكثر فقراً.

المسؤولية تبدأ من الداخل... دور الحكومة الانتقالية في قلب المعادلة

رغم أهمية الدعم الدولي والمساعدات الأممية، فإن مواجهة الكارثة الإنسانية في سورية لا يمكن أن تُعوّل بالكامل على الخارج.

فالحكومة الانتقالية، كسلطة مسؤولة في هذه المرحلة الحرجة، تتحمل دوراً محورياً لا يمكن تفويضه أو تجاهله.
فبناء الثقة الداخلية، وتحقيق الاستقرار، والانطلاق في مسار التعافي السياسي والاقتصادي والاجتماعي، يجب أن يبدأ من الداخل، بسياسات وخطط مدروسة تعكس أولويات الناس لا مصالح النخب.

وتكمن مسؤوليات الحكومة الانتقالية في عدة محاور رئيسية، منها:

  • تهيئة بيئة سياسية وأمنية مستقرة تضمن الوصول الآمن إلى المساعدات، وتحفّز عودة النازحين والمهجّرين.
  • وضع خطة وطنية عاجلة للتعافي الإنساني والتنمية المحلية، تتكامل مع جهود الأمم المتحدة، لا أن تقتصر على انتظارها.
  • محاربة الفساد وتعزيز الشفافية في توزيع الموارد والمساعدات، بما يضمن وصولها إلى المستحقين.
  • إعادة الاعتبار لقطاع الدولة الإنتاجي والخدمي، وخاصة في القطاعات السيادية.
  • تشجيع المبادرات المجتمعية والاقتصادية الإنتاجية، ولا سيما في الريف والضواحي، عبر تقديم تسهيلات وموارد للمشاريع الزراعية والصناعية.
  • إعادة تأهيل القطاعات الحيوية كالتعليم، الصحة، الطاقة، والنقل، لضمان الحد الأدنى من مقومات الحياة.
  • فتح قنوات شراكة فعالة مع المجتمع المدني والقطاع الخاص، ليكونا شريكين فاعلين في إعادة الإعمار والتوظيف.

إن الحكومة الانتقالية ليست فقط معنية بإدارة الأزمة، بل مطالبة بقيادة مرحلة التحول من دولة منهكة إلى دولة قادرة على النهوض. وهذا يتطلب إرادة سياسية واضحة، وخططاً قابلة للتنفيذ، وإشراك كل مكونات الشعب السوري في صياغة مستقبل أكثر عدلاً وكرامة.

الاستثمار لا الإغاثة فقط... طريق سورية إلى التعافي

الأمم المتحدة لا تزال تلعب دوراً رئيسياً في التنسيق وتقديم الدعم الإنساني، لكن بالمقابل فإن المجتمع الدولي مطالب اليوم بتغيير مقاربته تجاه سورية، من دعم يغلب عليه الطابع الإغاثي قصير الأمد، إلى شراكة إنمائية طويلة الأمد تستثمر في الإنسان السوري، في مهاراته وأرضه واقتصاده، بعيداً عن أشكال الاستثمار والابتزاز السياسي في مأساته وكارثته المستمرة، وبعيداً عن نماذج الوصاية والاملاءات والتبعية الاقتصادية.

فبدون هذه النقلة النوعية، ستبقى الكارثة الإنسانية مستمرة، بل ومتفاقمة، مهما بلغ حجم المساعدات.
إن المطلوب اليوم ليس تمويل الطوارئ فقط، بل خطة شاملة للإنقاذ الوطني والنهضة الاجتماعية والاقتصادية، عنوانها: «الكرامة لا الإغاثة- الإنتاج لا الاعتماد- الشراكة لا الوصاية».

قاسيون


شارك بالتعليق :

الاسم : 
التعليق:

طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال أرسل إلى صديق